على رمال بحر الإسكندرية، وبالتحديد على شاطئ النخيل، تجلس امرأة اربعينية منذ يوم الجمعة الماضي تبكي وتنتحب فراق ولديها عثمان وشادي؛ لا تفرق بين حر قائظ نهارًا، وبرد قارص ليلًا، بعدما خطف الموت ولديها دفعة واحدة، وبعد خروج جثمان عثمان، لا يزال البحر الهائج بشاطئ الموت يحتفظ بجثمان الولد الأصغر شادي.
"هاتولي ابني عاوزة ادفنه" هذه هي كلماتها منذ 7 أيام، إذ لا تزال تنتظر خروج جثة ولدها الأصغر شادي أمام الشاطئ منذ يوم الجمعة، تتعلق عينيها بكل موجة قادمة علها تأتي ومعها جثمان فلذة كبدها "شادي".
"تَوَخَّى حِمَامُ المَوْتِ أوْسَطَ صِبْيَتِي … فَلِلَّهِ كَيْفَ اخْتَارَ وَاسِطَةَ العِقْد"، هكذا يقول الشاعر في رثاء ابنه، بينما أمل هذه الأم الوحيد هو أن تعثر على جثمان صغيرها الموجود تحت أمواج بحر هائج، وعندما شاهدت محافظ الإسكندرية اللواء محمد الشريف هرعت إليه "أبوس رجلك عايزة جثة ابني ادفنه جنب أخوه.. ساعدنا"، ووعدها المحافظ بأنهم سيبحثون عنه في كل مكان، حتى استخراج جثمانه.
وقرر اللواء محمد الشريف حشد رجال قوات الإنقاذ البحري لانتشال جثمان الطفل الغريق المتبقي بشاطئ النخيل ب ٦ أكتوبر بالعجمي وذلك رغم ارتفاع الأمواج وكثرة الدوامات بالمنطقة، وطالب المحافظ الجهات المعنية، بتوفير كافة المعدات اللازمة لمساعدة الغواصين والإنقاذ البحري وحمايتهم من الارتطام بالصخور اثناء عملية انتشال الجثمان.
وقال الكابتن هشام عبد الجليل الشوبكي، كبير مدربي الغوص بالاتحاد المصري، وأحد المتطوعين المشاركين في البحث عن الجثمان الأخير، إن البحر في هذه الأيام هائج للغاية وهو ما يعوق أعمال البحث عن جثمان شادي، الذي يرقد في أعماق البحر منذ 7 أيام تقريبا.
وأشار الشوبكي، في تصريحات لصدى البلد إلى أن نزول أي غواص بمعداته في ظل هيجان البحر قد تؤدي إلى وفاته لأنه سيصطدم حتمًا بالصخور الموجودة أسفل المياه، مؤكدًا أن تم تمشيط الحجارة أسفل البحر لعل الجثمان يكون داخلها.
اقرأأيضًا:
أوقاف الإسكندرية تكشف حقيقة غلق مسجد بعد عقد قران داخل
"كل أملنا في ربنا إن شادي يكون محجوز من ناحية البحر من الداخل، وفي حال دخول أي مركب سيحتجز داخل الرمل خصوصًا في الحالة الحالية للبحر وارتفاع الموج غير المسبوق" هكذا علق الشوبكي على إمكانية الدفع بمركب للمشاركة في عمليات البحث.
وأضاف الشوبكي إننا سننزل من الغد بالحبال في محاولة للبحث عن الجثمان وإن شاء الله ربنا يقدرنا ونتمكن من العثور عليه غدًا، بمساعده فريقه الذي يتكون من أولاده الثلاثة "صفاء وعبدالرحمن وعبدالجليل".
وقال أحد القاطنين بالنخيل إن أسباب الحادثة الأخيرة ترجع إلى ارتفاع الأمواج، حيث كان البحر هائجًا بصورة غير طبيعية، لم يسبق له مثيل في مثل هذا الوقت من العام، وتجاوز ارتفاع الموج الحواجز والمصدات، فضلًا عن عدم التزام المصطافين واستحمامهم ليلًا في ظل رؤية منعدمة وبحر هائج.
وأوضح أن شواطئ العجمي مشهورة بالبرك والدوامات الموجودة على امتداد هذه الشواطئ، وهو ما يجعلها من الشواطئ الخطرة وبخاصة في حالة عدم اتباع تعليمات المسؤولينعن الشاطئ.
وقال أسامة صبحي، ضابط متقاعد بالقوات المسلحة، في تصريحات لصدى البلد، مقيم بالنخيل، وأحد الملاك بمدينة 6 أكتوبر منذ 10 سنوات، إن المشكلة الأساسية عدم وجود بوابات للمدينة فأصبح دخول رحلات اليوم الواحد يمثل عبئًا كبيرًا على السكان.
وأشار صبحي إلى أن القادمين في هذه الرحلات لا يعرفون طبيعة المكان ولا الأماكن الآمنة للاستحمام داخل الشاطئ، الذي يختلف كثيرًا عن العوم في الترع أو النيل الموجود في محافظات الدلتا، إذ لا يوجد هناك سحب ولا مد ولا جزر، ولكن في شاطئ مثل النخيل، يصل ارتفاع الموج أحيانًا إلى ثلاثة أمتار مثلما حدث يوم الجمعة الماضي.
وأضاف صبحي أن أغلب المصطافين من رحلات اليوم الواحدينزلون إلى الشاطئ ليلًا في عدم وجود منقذين وعدم وجود رؤية للأماكن المسموح بها للنزول إلى الشاطئ، وكذلك عدم وجود رؤية لارتفاع الأمواج.
وتابع قائلًا: "إننا كسكان بالمدينة نعرف الطبيعة الحذرة للشاطئ حيث لا يسمح بالعوم بين حواجز الأمواج، فعندما تكون الأمواج عالية نلتزم بعدم النزول إلى الشاطئ، حرصًا على سلامتنا وسلامة أولادنا".
وفجر الجمعة الماضي، كشفت الإدارة العامة للسياحة والمصايف عن تفاصيل الحادث أنه في حوالى الساعة ٥.٢٠ صباحا، قام بعض المواطنين بالنزول إلى مياه شاطئ النخيل بنطاق حي العجمي والمغلق حاليا ضمن الشواطئ المغلقة بقرار رئيس مجلس الوزراء والخاص بحظر ارتياد الشواطئ ضمن الإجراءات الاحترازية والوقائية المتخذة لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
وأشار البيان إلى أن نزولهم في هذا الوقت المبكر جاء هربًا من ملاحقات الأجهزة التنفيذية التي تقوم بعملية الإخلاء طوال اليوم، حيث غرق أحد الأطفال أثناء نزوله البحر مما ترتب عليه اندفاع العديد من المواطنين في محاولة لإنقاذه، مما أدى إلى غرق 11 شخصا وتم انتشال 6 جثامين وجار البحث عن الآخرين.