قال الدكتور على جمعة، مفتي الجهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه منذ أن بدأ طلب العلم منذ 40 سنة أو أكثر؛ شغله كثيرًا منهج التفكير، لافتًا: « كنا نبحث عن هذا المنهج، باعتبار أنه مفتاح العلوم وكنوزها، وأنه هو الذي سيحدد ملامح الفكر المستقيم، وبعد بحث اتضح معه أن المنهج الأزهري لفهم الدين، بل الدنيا، هو المنهج الأعدل والأكثر إنصافًا».
وأضاف « جمعة» عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» أنه في مقابلة المنهج الأزهري الذي سنفصله تفصيلًا -إن شاء الله تعالى- عرض علينا منهج آخر لم نقبله لا في فهم الدنيا ولا في فهم الدين، شعرنا معه بأنه سطحي ليس عميقًا، وبأنه جزئي ليس شاملًا، رأينا ملامحه في كتاب للشيخ سليمان بن سحمان عنوانه «أحسن البضاعة في كون الساعة ليست بسحر بل صناعة»، طبع في مطبعة المنار في مصر.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أنه يرد فيه الشيخ «بن سحمان» على رجل يسمى ابن الريس قال بحرمة الساعات، باعتبار أنها من باب السحر، والمسألة برمتها لا تهم أحدًا أصلًا، لكن المنهج الذي اتُخذ في الرد على ابن الريس كان منهجًا عجيبًا، حيث يقول: إن من أدلة كون الساعة ليست بسحر أن الرازي قد نص في كتبه أنها من باب الصناعة.
وتساءل المفتي السابق قائلًا : «هل إذا لم ينص الرازي على ذلك في كتبه أو لم أجد هذا النص لانتصر ابن الريس ورأيه؟»، مجيبًا: «علينا أن نقتنع بأن الساعة سحر؟! لقد رفضنا هذا المنهج؛ لأنه يتعلق بفهم الشريعة برمتها في كل أحكامها، وبهذا يأتي لنا بدين لا نعرفه وليس هو الذي أُنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس هو الإسلام الذي خاطب الله به العالمين».
وواصل: بل هو ما تخيله أو فهمه من دين الله، ويريد أن يفرضه على الناس أجمعين، وبذلك يشوه دين الله، ويكون حائلًا بين الخلق والخالق فيصد بذلك عن سبيل الله بغير علم.. وهذا مكمن الخطر،مع تأكيدنا لاحترامنا كل من اشتغل بالعلم الشرعي الشريف، سواء أصاب المنهج الصحيح أو أخطأه، فليس مقصودًا ما سنذكره من حقائق سوى أن نذكر كلمة الحق، ورحم الله من سبقنا إليه.
وأكمل: لقد رأينا هذا المنهج يؤدي بأدواته إلى إنكار دوران الأرض، وأن الأرض ثابتة والشمس حولها تدور، ولما سألناهم: هل الأرض كرة؟ فكانت الإجابة طبعًا دون شك، لأن ابن تيمية- رحمه الله- قد نص في الرسالة العرشية على الإجماع على أنها كرة (فإذا كان ابن تيمية لم ينص على ذلك، فماذا كان الوضع؟ هل نتبع تأكيد ابن حزم على كرويتها في كتابه الفصل أم تأكيد القرطبي على عدم كرويتها في التفسير عند قوله تعالى: «ما أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا» [الكهف:٥١]!)، فيؤلف محمد اليحيى «كتاب النور في كون الأرض ثابتة والشمس حولها تدور».
وأردف: ثم ينتقل بنا هذا المنهج إلى تكذيب وصول الإنسان إلى القمر، ويؤلف الشيخ حمود التويجري كتابين كبيرين: الأول بعنوان (الصواعق الشديدة على أهل الهيئة الجديدة (المطبوع سنة ١٣٨٨هـ الموافق ١٩٦٨م) والثاني بعنوان (ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق)، المطبوع سنة ١٣٩٠هـ الموافق ١٩٧٠م، ويقصد بأهل الهيئة أهل علم الفلك، فيحرم هذا العلم ويصف أهله بالزندقة، ويحرم معه علم الجيودسيا وعلم الجيولوجيا.
واسترسل: ويقدم لهذا الكتاب المرحوم عبد الله بن محمد بن حميد، ويرضى بما فيه، وهذا الكتاب نصرة للشيخ عبد العزيز بن باز، حيث ألف كتابًا في سكون الأرض وجريان الشمس حولها وسماه «الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب»، وأصبحنا بذلك أمام خطورة فعلية في فهم النص الشرعي الشريف، حيث إنهم لم يذهبوا إلى هذا كرأي يتبنونه، بل لقوله -تعالى-: «وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ» [يس:٣٨].
ونبه أنه كذلك حرموا الصور الفوتوغرافية في رسائل لا عد لها ولا حصر، حتى عدوا الخروج في التليفزيون نوعًا من الفسق والمروج، ومثله حرمة الأكل بالملاعق ونحوها من غير ضرر بالأيدي، وكذلك الجلوس للطعام على الكراسي ونحوها، وكذلك ترتيب الأواني على المائدة بالطريقة الإفرنجية (صفحة ١٥٦) من كتاب «الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين» (المطبوع سنة ١٣٨٤هـ)، ويُحرم كذلك التصفيق (صفحة ١٨٠)، ولبس الساعات في الأيدي (صفحة ٢٣٥)، وغير ذلك كثير.
ونوه أنه من هنا يجب أن تكون لنا وقفة مع هذا المنهج الذي سيؤدي بنا إلى هذا الفهم الذي أدى فعلًا إلى تشويه صورة الإسلام في العالمين وصورة المسلمين في كل مكان،فإذا يممنا وجهنا قِبَل الأزهر، نجد الشيخ محمد بخيت المطيعي، مفتي الديار المصرية من سنة ١٩١٥ إلى سنة ١٩٢٠، يؤلف كتابًا بعنوان «توفيق الرحمن للتوفيق بين ما قاله علماء الهيئة وبين ما جاء في الأحاديث الصحيحة وآيات القرآن»، فيوافق بذلك العقل والنقل والحس والواقع، ونجده يؤلف كتاب الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي، وكتاب أحكام قراءة الفونوغراف.
وأكد الدكتور على جمعة أن الفرق بين المنهج الأزهري القائم على علوم شتى مركبة من اللغة والأصول والفقه وغيرها، لفهم الكتاب والسنة وفهم مقاصد الشريعة، ومصلحة الناس، ومآلات الحكم بينهم، وإنزال الشريعة على الواقع المعيش- يختلف تمامًا على هذا المنهج البسيط، الذي يذهب في كل اتجاه، بناء على ما يتبادر إلى ذهن صاحبه أولًا عند قراءة آية بلا تدبر أو اطلاع على حديث دون تأمل.
واختتم: مع اتفاق هذا التيار على الافتخار بعزلتهم عن الواقع وتمسكهم بأفهامهم، مهما ترتب عليها من ضرر، فاخترنا المنهج الأزهري العلمي الواضح، الذي يسعى إلى عبادة الله على بصيرة، وإلى عمارة الأكوان على علم، وإلى تزكية النفس على هدى من هدي خير العباد، وإلى الله المشتكى وعند الله تجتمع الخصوم،فقد أردنا الصلاح لأمتنا وأرادوا الصلاح لأنفسهم، فأضروا بأنفسهم وأضروا بأمتهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.