قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الناس اختلفوا في تفسير محبة الله ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم- وكثرت عباراتهم في ذلك وليست ترجع بالحقيقة إلى اختلاف مقال ولكنها اختلاف أحوال.
وأضاف « جمعة» عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» أنسفيان قال: المحبة اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم- كأنه التفت إلى قوله -تعالى -: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أن بعضهم قال: محبة الرسول اعتقاد نصرته والذب عن سنته والانقياد لها وهيبة مخالفته، وذكر آخرون أنالمحبة : دوام الذكر للمحبوب،وقال آخر: إيثار المحبوب،وقال بعضهم : المحبة الشوق إلى المحبوب، وأشار آخرون أنها:مواطأة القلب لمراد الرب يحب ما أحب ويكره ما كره،وقال آخر: المحبة ميل القلب إلى موافق له.
وتابع المفتي السابق أن القاضي عياض -رحمه الله- قال: "وأكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها؛ وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان، وتكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه، كحب الصور الجميلة، والأصوات الحسنة، والأطعمة والأشربة اللذيذة ، وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة، كمحبة الصالحين والعلماء وأهل المعروف".
وواصل: " والمأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة ، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم ، والتشيع من أمة في آخرين ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان ، وهتك الحرم ، واحترام النفوس ، أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه، فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها".
ونبه: فإذا تقرر هذا نظرت هذه الأسباب كلها في حقه - صلى الله عليه وسلم- فعلمت أنه جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة:أما جمال الصورة والظاهر، وكمال الأخلاق والباطن، فقد قررنا منها قبل فيما مر في الكتاب ما لا يحتاج إلى زيادة ،وأما إحسانه وأنعامه على أمته فكذلك قد مر منه في أوصاف الله -تعالى- له من رأفته بهم ، ورحمته لهم ، وهدايته إياهم ، وشفقته عليهم، واستنفاذهم به من النار، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ، ورحمة للعالمين، ومبشرًا ونذيرًا ، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا ، ويتلوا عليهم آياته ، ويزكيهم ، ويعلهم الكتاب والحكمة ، ويهديهم إلى صراط مستقيم .
وأردف: فأي إحسان أجل قدرًا ، وأعظم خطرًا من إحسانه إلى جميع المؤمنين ؟ وأي إفضال أعم منفعة وأكثر فائدة من إنعامه على كافة المسلمين، إذ كان ذريعتهم إلى الهداية ، ومنقذهم من العماية ، وداعيهم إلى الفلاح ، ووسيلتهم إلى ربهم ، وشفيعهم والمتكلم عنهم ، والشاهد لهم ، والموجب لهم البقاء الدائم والنعيم السرمد .
وأكمل: فقد استبان لك أنه - صلى الله عليه وسلم- مستوجب للمحبة الحقيقية شرعًا بما قدمناه من صحيح الآثار ، وعادة وجبلةً بما ذكرناه آنفًا ، لأفاضته الإحسان ، وعمومه الإجمال ، فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرةً أو مرتين معروفأً ، أو استنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع ـ فمن منحه ما لا يبيد من النعيم ، ووقاه ما لا يفنى من عذاب الجحيم أولى بالحب.
شاهد المزيد: لماذا سميت المدينة المنورة بـ يثرب .. علي جمعة يرد
وبيّن: إذا كان يحب بالطبع ملك لحسن سيرته، أو حاكم لما يؤثر من قوام طريقته، أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه أو كرم شيمته، فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب، وأولى بالميل، منوهًا:قد قال الإمام علي -رضي الله عنه- في صفته - صلى الله عليه وسلم-: «من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه»،[الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض]