حادثتا انتحار وقعتا في يوم واحد هزت المجتمع اللبناني إحداهما لرب أسرة شنق نفسه والأخرى لشاب في مقتبل العمر أطلق النار على نفسه وترك رسالة قال فيها: (أنا لست كافر الجوع هو الكافر.. لبنان حر سيد - مستقل) هذه الحوادث المؤلمة هي إنعكاس لتداعيات الأزمة المالية والإقتصادية غير المسبوقة التي يشهدها لبنان، وهي في جوهرها أزمة سياسية وهو الآن في حالة إنهيار إقتصادي كامل ونزيف مستمر لليرة اللبنانية التي اقتربت من الـ 9000 دولار في بلد يستورد 80% من غذائه من الخارج، وتضاعفت الأسعار وقلت القدرة الشرائية وقريبًا تنعدم، فكل المؤشرات تؤكد أن لبنان ذاهب إلى سيناريو فنزويلا ولكن بصورة أخطر، نظرًا للواقع الطائفي وقد توقفت المصارف اللبنانية منذ أشهر عن تزويد المودعين بالدولارات من حساباتهم المصرفية، ولذلك امتنع المغتربون عن تحويل أموالهم خشية الحجز عليها يحدث كل ذلك في ظل سلطة أغلقت كل نوافذ الأمل أمام الناس وبالرغم من أنها حكومة إنقاذ لم تنقذ أي شيء وظلت طيلة أربعة أشهر في تصريحات ومناكفات سياسية وتتفرج على هذا الإنهيار في الأوضاع المعيشية وتركت اللبنانيين في معاناتهممع الفقر والجوع والإنتحار.. مجموعة الأزمات الدولية قالت إن الإنهيار المالي في لبنان باقي ويتمدد...!
أما حسان دياب رئيس الحكومة فلا حديث له سوى عن المؤامرات التي تحاك ضده داخليًا وخارجيًا للإطاحة به في مرحلة مصيرية من تاريخ لبنان.. وهو بالطبع يقول هذه التصريحات لأنه في اختبار عسير أمام الشعب فعليه أن ينجح في مفاوضاته الشاقة مع صندوق النقد الدولي ويحصل على العشرة مليارات دولار القرض اللازم لإنقاذ لبنان الغارق في الديون وإلا أصبحت حكومته منتهية الصلاحية سياسيًا على الأقل وهذه المفاوضات الآن تترنح لأن الحكومة عاجزة عن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وهي إصلاحات جذرية في القطاع المصرفي والكهرباء والضرائب ووقف التهريب والفساد والإقتصاد الموازي عاجزة عن تحييد حزب الله المهيمن على القرار في لبنان ففي ظل هذه الأزمة الخانقة والغليان الشعبي تم بث فيديو يوضح إفتتاح ميليشيا حزب الله لمعبر جديد غير شرعي لنقل البضائع إلى سوريا ضمن سيطرة الحزب على كل المعابر اللبنانية وهي إحدى أهم القضايا الشائكة مع صندوق النقد لذلك قالت المديرة التنفيذية للصندوق أنها لا ترى سببًا لإنفراجة في المفاوضات.
حزب الله أراد بهذا الفيديو أن يرسل رسالة لأمريكا بأنها لن تستطيع من خلال قانون قيصر أن تسيطر على الحدود اللبنانية السورية وأنه لو أراد إرسال مساعدات لسوريا لفعل وأن الهيمنة والسيطرة في هذه المنطقة لإيران وهو ما يتعارض مع تغريدة رئيس الحكومة حسان دياب الذي توسل فيها لدول الإتحاد الأوروبي أن تستثني لبنان من قانون قيصر وتبعاته وأنه على الحياد.
وهذا يؤكد أن دياب ليس رئيس حكومة بالمعنى المفهوم وإنما دمية في يد حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل وهذان الطرفان لن يقبلوا بخسارة أي مصلحة في الشهور القادمة فلو سقطت حكومة دياب سيتم تشكيل حكومة وفق المتطلبات اللازمة للإصلاح وستتم المصالحة مع المجتمع العربي والدولي وهو ما يعني فقدان هذه الطبقة السياسية لنفوذها ومصالحها والإقتصاد الموازي لحزب الله وقد قالها حسن نصر الله صراحة أنه لا يمكن إغلاق معبر للسلاح تابع لحزب الله وهذا يثبت أنه ليس هناك دولة وإنما دويلة حزب الله التي تحصلت على مليارات الدولارات كما صرحت بذلك السفيرة الأمريكية في لبنان "دورثي ك شيا".
تجاذبات إقليمية ومواجهات أمريكية إيرانية يدفع ثمنها الشعب اللبناني الذي بات لا يستطيع التحصل على قوت يومه.. ففي عنوان مأساوي لجريدة "الديلي تلجراف" البريطانية نشر الأسبوع الماضي قالت فيه "لبنان يتجه نحو المجاعة والناس سيموتون في غضون أشهر.. وأضافت مع نهاية العالم لن يكون لنبان قادر سوى على إطعام 130 ألف شخص فقط وهذا يعني أن 75% من السكان يحتاجون إلى معونات غذائية.
وربما يتكرر سيناريو المجاعة الذي حدث في بداية القرن الماضي وفقد فيه لبنان نصف السكان خاصة مع أزمة كورونا التي ضاعفت من عمق الأزمة اللبنانية وتركت 56% من السكان بدون عمل مع الإرتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية.
كل هذا لا يهم حزب الله ولا يعنيه أن نصف اللبنانيين تقريبًا يعيشون تحت خط الفقر ولا المؤسسات وآلاف المحال التي تغلق والمجال السياحي الذي توقف كل ما يعينه هو أن يحكم لبنان هذا البلد الصغير حتى وهو ينهار.
وقد حذر كل الخبراء من هذا الإنهيار وأكدوا أنه قادم والأخطر هو التخوف من حدوث إنفلات أمني نتيجة الوضع الإقتصادي فباعتراف الرئيس ميشيل عون قال نصًا إن لبنان لامست أبواب الحرب الأهلية كما حذر وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان من العنف في لبنان وأنه سيزور بيروت قريبًا لإبلاغ الحكومة اللبنانية بضرورة القيام بإصلاحات.
إن كل ما يرغب به المجتمع الدولي هو إصلاحات إقتصادية وألا يكون لحزب الله تأثير في القرار اللبناني وأن تخرج الحكومة من عباءته ولكن للأسف الطبقة السياسية غير مستعدة لتقديم إصلاحات فخلال 4 أشهر ونصف الأمور تسير من سيء لأسوء لعدم وجود كفاءة وقدرة نظرًا لغياب القرار السياسي.
إن إنقاذ لبنان ليس بعسير والعالم يريد أن يساعد لبنان ولكن على لبنان أن يساعد نفسه أولًا وأن يتوفر لدى الحكومة اللبنانية إرادة سياسية والقيام بإصلاحات محدودة وبسيطة لكن للأسف أي تغيير حقيقي هو انتحار لهذه السلطة ولذلك لا بد من تحرك إقليمي ودولي لمنع هذه القوى التي تريد أن تدمر لبنان فالشعب اللبناني في حراك شعبي مستمر من الجنوب إلى الشمال منذ 17 أكتوبر الماضي للمطالبة بتحسين أحواله المعيشية والعيش بكرامة.. لا بد من وضع مصلحة لبنان أولًا وإعادته إلى محيطه العربي وأجندته العربية وليس أجندة إيران إن معادلة الجوع مقابل السلاح التي يريد حسن نصر الله فرضها على اللبنانيين يجب التصدي لها،فهو بحاجة لمساندة من الدول العربية الشقيقة ومئات آلاف المغتربين اللبنانيين الذين يعملون بها لذلك يجب ألا يتخلى لبنان عن علاقاته التاريخية مع إخوته العرب.
إن قطع علاقات لبنان وعزله عن الدول العربية وجذبه نحو المحور الإيراني يجب أن ينتهي كما أن لبنان بحاجة لعدم الخروج من النظام المالي العالمي فهو يعاني فجوة في النظام المصرفي تقدر بـ 50 مليون دولار ولا تنفع فكرة التوجه شرقًا وهي مزحة ثقيلة كما وصفها اللبنانيون أطلقها نصر الله وقوبلت برفض وسخرية شديدة.
إن الحكومة اللبنانية الآن كما وصفها الزعيم الدرزي "وليد جنبلاط" هي حكومة اللاشيء وحكومة العدم والإفلاس والجوع وخلاصة القول أن لبنان هذا البلد العربي الشقيق الآن أمام تحدي كبير وخيار صعب فإما ينهار لا قدر الله وإما أن يظل دولة موحدة وهذا ما نتمناه جميعًا ولا سبيل لذلك إلا بالخلاص من ميليشيا حزب الله المهيمنة على الدولة ومقدراتها وهي قوة مزعزعة للأمن والإستقرار وحولت البلد إلى مايشبه جغرافيا المليشيات وليس جغرافيا الدول لذلك أقول لكل القوى الدولية الفاعلة في العالم رجاءً أرفعوا أيدي حزب الله عن لبنان..