قال الشيخ بندر بليلة، إمام وخطيب المسجد الحرام: اتقوا اللهَ أيُّها المؤمنون كونوا له كما أمركم، يَكُنْ لكم كما وعدكم، أجيبوا اللهَ إذا دعاكم، يُجبْكم إذا دعوتموه.
اقرأ أيضًا..
وأوضح «بليلة» خلال خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، أن من صَفَا مع الله صافاه، ومن أوى إلى الله آواه، ومن فوَّضَ أمرَه إلى الله كفاه! ومن باع نفسَه لله، اشتراه، وجعل ثمنَه جنَّتَه ورضاه!.
وأضاف أنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ القُلوبَ لتكونَ عارفةً به، مُتَعَرِّفةً إليه، موصولةً به، لا يَصُدُّها عن ذِكره صَادٌّ، ولا يَشْغَلُها عن التَّفَكُّرِ في آياته رَادٌّ، غيرَ أنَّه قدْ تَعرِضُ لهذه القلوبِ أدواءٌ وحُجُبٌ تَـحُولُ بينها وبين ما خُلِقَتْ له، وتُزِيلُها عن حالها التي أُرِيدَتْ لها.
ونبه إلى أنه من أخطر ما يَعرِضُ لها وأَضَرِّه: داءُ الغَفْلة؛ فإنَّه رُقادُ القَلبِ، وانصرافُه عن الذِّكر، وإعراضُه عن التَّذكِرة، حتَّى يُتَابِعَ النَّفسَ فيما تشتهيه، ويَفْقِدَ الشُّعورَ بما حقُّه أن يُشعَرَ به ويُوقَفَ عنده!، ومن هذه الغَفَلاتِ: الغفلةُ عن التفكُّرِ في الآياتِ الكونيَّةِ والشَّرعيَّةِ، فتأتيْ واحدةً بعد واحدةٍ، والقلوبُ لاهيةٌ سَامِدَةٌ، لا تنبَعِثُ إلى تصديق وإيمانٍ، ولا تَنجَفِلُ إلىخوفٍ وخضوعٍ وتضرُّعٍ وإذعان.
وأشار إلى حال الغافلين بقوله: فحظُّ هؤلاءِ الغافلين: أنَّهم مُنْقَطِعون إلى الدُّنيا، لا يتجاوزُ علمُهم هذه الدَّارَ إلى غيرها، وهم مع ذلك إنَّما يعلمون ظاهرَها البرَّاقَ، دونَ حقيقتِها وسِرِّها، فيعرِفون مَلاذَّها ومَلاعِبَها وشهواتِها، ويجهَلُون مَضارَّها ومَتاعِبَها وآلامَها، يعلمونَ أنَّها خُلقتْ لهم، ولا يعلمونَ أنَّهم لم يُخلَقُوا لها، يشغلُهم حالُ الإخلادِ إليها، والاطمئنانِ بها، ويغفُلُون عن فَنائِها وزوالِها.
وأكد أنها قصيرةٌ وإن طالتْ، دَميمةٌ وإن تزيَّنتْ، فإذا أتتِ الآخرةُ التي غَفِلوا عنها، هنالكَ حقَّتْ حَسْرتُهم، يومَ لا تَنْفَعُ الحَسْرةُ، والسبيلُ إلى علاجِ هذهِ الغَفلةِ: العلمُ والبَصِيرةُ بحالِ الدُّنيا، وإنزالُها مَنزِلتَها، وتركُ الاستغراقِ فيها؛ حتَّى لا يستوليَ حبُّها على القلوب، فتغفُلَ عن الآخرة، فإنَّ الدنيا والآخرةَ ضَرَّتَانِ: بقَدْرِ إرضاءِ إحداهما تَسْخَطُ الأخرى، وبقَدْرِ تعلُّقِ القَلبِ بإحداهما، ينصرفُ عن الأُخرى، ولا علاجَ لذلك إلا بأنْ تكونَ الآخرةُ هي الغايةَ، والدُّنيا هي الوسيلةُ إليها، فإذا كانت كذلك، فهي مَزْرَعةُ الآخِرَةِ، ونِعْمَتِ الـمَزْرَعةُ.
ولفت إلى أن من الغفلة اللَّاهية: الغفلةُ عن الاعتبارِ والاتِّعاظِ بأحوالِ مَنْ مَضَى من الأمم، فما أكثرَ العِبرَ، وما أقلَّ الاعتبارَ!، وإنَّ مِنْ أَعظَمِ أنواعِ الغَفَلاتِ: الغَفْلةُ عن ذِكر اللهِ تعالى، فهي الجالبةُ لغيرها من الغَفَلاتِ، المحيطةُ بألوانٍ من التِّيهِ والضَّياعِ والشَّتَاتِ، وسبيلُ العلاجِ من هذه الغَفْلةِ: هو دوامُ الذِّكر، ومجاهدتُه، وإنَّ من أعظمِ أسبابِ الغفلةِ: تراكُمَ الذُّنوبِ على صَفَحَاتِ القُلُوبِ، وكلُّ ذنبٍ لم يَتُبْ منه صاحبُه؛ فلا بدَّ من أنْ يكون له تأثيرُه على صَفاءِ البَصِيرة، ونُورِها؛ وإنَّ العبدَ ليُذْنِب وإنَّها لتُظْلِمُ شيئًا فشيئًا، حتى تَصْدَأَ، كما يصْدَأُ الحديدُ.
وتابع: وصَدَأُ القلب يكون بأمرينِ: بالغفلةِ، والذَّنبِ، وجِلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذِّكر، فمن كانت الغفلةُ أغلبَ أوقاتِه، كانَ الصَّدَأُ مُتَراكِبًا على قلبه، وصَدَأُه بحَسَب غَفْلَتِه، وإذا صَدِئَ القلبُ لم تنطبِعْ فيه صُوَرُ المعلوماتِ على ما هي عليه، فيرى الباطلَ في صورةِ الحقِّ، والحقَّ في صورةِ الباطلِ... فإذا تراكم عليه الصَّدَأُ، واسوَدَّ، ورَكِبَه الرَّانُ، فَسَد تصوُّرُه، وإدراكُه، فلا يَقبَلُ حقًّا، ولا يُنكِرُ باطلًا. وهذا من أعظم عقوبات القلب.