- قوات الأمن الإثيوبية تفشل في احتواء الاحتجاجات ضد مقتل هاشالو هونديسا
- اتهامات لحكومة آبي أحمد بتمديد بقائها في السلطة بحجة مكافحة فيروس كورونا
- نغمة الانفصال والحكم الذاتي تتعالى من جديد بين القوميات المكونة للشعب الإثيوبي
- أحزاب الائتلاف الحاكم في إثيوبيا تتبادل الاتهامات بالفشل في إدارة ملفات شائكة
محاصر بين خلاف إقليمي في الخارج وغضب متصاعد في الداخل، هكذا يبدو رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد سائرًا على حبل مشتعل، عن يمينه مواجهة محتملة مع مصر والسودان يخاطر هو بها بسبب تعنته في مفاوضات سد النهضة، وعن يساره مواجهة حقيقية مع الشارع الإثيوبي المنتفض بعد تبدد وعود الإصلاح الكبرى.
ولم يكد الجدل والاحتجاج حول قرار الحكومة الإثيوبية تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في أغسطس المقبل بحجة مكافحة فيروس كورونا يهدأ، حتى انفجرت دوامة عنف جديدة إثر مقتل مغن إثيوبي يحظى بشعبية كبيرة.
وشهدت إثيوبيا منذ الثلاثاء الماضي اضطرابات وأحداثا عنيفة في العاصمة أديس أبابا ومنطقة أوروميا المحيطة بها؛ احتجاجا على مقتل المغني الشهير هاشالو هونديسا بالرصاص، مساء الاثنين. وقالت الشرطة إنه جرى التخطيط للقتل جيدا.
وحاولت الشرطة الإثيوبية تفريق حشود المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، وقامت بإطلاق الرصاص في مختلف أحياء أديس أبابا.
وأثار مقتل هاشالو هونديسا، المعروف بأغانيه السياسية التي تنادي بحقوق عرقية الأورومو، انتقادات دولية للسلطات في أديس أبابا، خاصة بعد سقوط عدد كبير من القتلى خلال احتجاجات اعقبت مقتل المغني الإثيوبي.
كما طالبت المنظمات الدولية بإجراء تحقيق حول مقتل المغني الإثيوبي، حيث تقول منظمة العفو الدولية إنه في الوقت الذي تندلع فيه الاحتجاجات في إثيوبيا بشأن مقتل هاشالو، يجب على السلطات في إثيوبيا إجراء تحقيقات فورية وشاملة ونزيهة ومستقلة.
وطالبت العفو الدولية السلطات في إثيوبيا بتقديم أي شخص يشتبه في تورطه في أنه مسؤول عن مقتل المغني هاشالو، للعدالة.
من جانب آخر، قررت الحكومة الإثيوبية قبل أسابيع تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في أغسطس المقبل، بحجة إفساح الوقت لجهود مكافحة فيروس كورونا، في خطوة قوبلت بانتقادات واسعة من مراقبين ومعارضين إثيوبيين.
وبحسب صحيفة "إل مانيفستو" الإيطالية، فبالرغم من تضاعف عدد الإصابات بفيروس كورونا في إثيوبيا 3 أضعاف خلال الشهر الحالي وحده، لم تفلح حجة مكافحة الوباء في إقناع قطاع عريض من الشعب الإثيوبي وساسته بجدوى تأجيل الانتخابات، وتعالت الأصوات تتهم آبي أحمد وحكومته بالسعي لتمديد البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، ونشبت احتجاجات عنيفة في أنحاء متفرقة بالبلاد رفضًا لهذا القرار.
وأضافت الصحيفة أن ذلك يأتي بينما تخوض البلاد مفاوضات شائكة مع مصر والسودان حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، والتي يهدد تعثرها بالدخول في صدامات مع الأخيرتين، مع أن مصر أحالت الملف إلى مجلس الأمن في 20 يونيو، ماضية في اتباع المسار السياسي التفاوضي.
وتابعت الصحيفة أن هذين التطورين مستمران وفي خلفيتهما مشهد مثير للقلق من المشاحنات العنيفة بين عرقيات وقوميات تشكل أجزاءً أساسية من الشعب الإثيوبي، مع تصاعد مطالبات هذه القوميات بالحكم الذاتي، بل والانفصال وتكوين دول مستقلة.
وكانت منظمة العفو الدولية نشرت في مايو الماضي تقريرًا بعنوان "أبعد من فرض القانون"، اتهمت فيه حكومة آبي أحمد بالتقاعس عن حماية الأقليات العرقية من أعمال عنف تمارسها ضدها أغلبية الأورومو التي ينتمي إليها رئيس الوزراء.
ومضى تقرير منظمة العفو الدولية أبعد من ذلك ليتهم قوات الأمن الإثيوبية مباشرة بمشاركة أغلبية الأورومو في ممارسة العنف ضد أبناء الأقليات وقتل المئات منهم.
وبحسب تقرير صدر لمجلة "ذا ناشونال إنترست" الأمريكية العام الماضي، فشلت إدارة آبي أحمد في معالجة أسباب المشاحنات السياسية بين الأطياف المكونة للحكومة الاتحادية، فضلًا عن نزع فتيل الصراعات الإثنية، وهذان العاملان بالذات يضعان إثيوبيا على طريق الخراب، إذ فشلت الحكومة في حصد قبول قطاع معتبر من المجتمع والقبائل الإثيوبية لاعتبارها السلطة العليا في البلاد، ما فتح المجال لفاعلين قبليين لحمل السلاح في مواجهة الدولة.
والملحوظ بوضوح أن عنفًا متصاعدًا يجتاح إثيوبيا منذ تولي آبي أحمد منصبه، فليس الشعب الإثيوبي وحده هو المنقسم على نفسه، وإنما طالت الانقسامات النخبة الحاكمة ذاتها، التي أسبغت المشروعية والقبول على قيادة آبي أحمد في البداية.
ومن الأمور ذات الدلالة في هذا الصدد أن الأصوات المنتقدة لآبي أحمد وحكومته تتعالى الآن من داخل الإثنيتين الكبريين في إثيوبيا: الأمهرة والأورومو، وتلك الأخيرة ينحدر منها رئيس الوزراء الإثيوبي.
وما زاد الطين بلة أن الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية، وهي الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، منقسمة على نفسها، وخلال الأشهر الأخيرة شرعت الأحزاب المكونة للجبهة في تبادل الاتهامات بالمسئولية عن عجز الحكومة وإخفاقها في إدارة ملفات كبرى.
ومن حسن حظ آبي أحمد أن قطاعًا لا بأس به من الشعب الإثيوبي لم يفقد ثقته به بعد، لكن ما لم يبادر رئيس الوزراء الإثيوبي بحركة سريعة لإعادة الاستقرار إلى البلاد فسيغدو ترديها في هاوية التفتت وانهيار الدولة مسألة وقت.