قضت المحكمة الإدارية العليا بمجازاة مدرس بكلية طب بنين القاهرة جامعة الأزهر بعقوبة اللوم مع تأخير العلاوة المستحقة لقيامه بالتطاول علي طلاب الفرقة الأولى بكلية طب الأزهر بنين أثناء المحاضرة بالعبارات الخارجة .
صدر الحكم برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين سيد سلطان والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ونبيل عطا الله وشعبان عبد العزيز نواب رئيس مجلس الدولة.
أكدت المحكمة أن الشعب المصرى من أقدم وأعظم شعوب العالم وأكثرهم تدينا وصاحب حضارة تليدة بين الأمم , وأنه لا يجب أن تصدر الإهانة من عضو هيئة تدريس المفترض فيه احاطته بتاريخ بلاده ودورها على مر العصور وكر الدهور , وأن الطاعن اقترف إثما في حق طلابه والشعب المصرى وهو يتبوأ مركزًا علميًا ويعد النشء , وهى جريمة أخلاقية بالغة الخطورة وعظيمة الأثر, وأن سب الشعب المصرى من عضو هيئة التدريس بالأزهر مسلك مشين ضد القيم والتقاليد الجامعية لا يلائم صفته كعالم مسلم.
قالت المحكمة أن المشرع قد ناط بجامعة الأزهر حفظ التراث الإسلامى ودراسته وتجليته ونشره ، وتؤدى رسالة الإسلام إلى الناس ، وتعمل على اظهار حقيقته وأثره فى تقدم البشر وكفالة السعادة لهم فى الدنيا وفى الآخرة ، وببعث الحضارة العربية والتراث العلمى والفكرى والروحى للأمة العربية ، وتعمل على تزويد العالم الإسلامى والوطن العربى بالعلماء العاملين الذين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح والتفقه فى العقيدة والشريعة ولغة القراَن ، كفاية علمية ومهنية لتأكيد الصلة بين الدين والحياة ، والربط بين العقيدة والسلوك ، وتأهيل عالم الدين للمشاركة فى كل أنواع النشاط والانتاج والريادة والقدرة الطيبة وعالم الدنيا للمشاركة فى الدعوة إلى سبيل الله بالمحكمة والموعظة الحسنة ، فى داخل الجمهورية وخارجها ، من أبناء الجمهورية وغيرهم ، كما تعنى بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية , وعظيم مثل تلك المهام التى تضطلع بها جامعة الأزهر تفرض على أعضاء هيئة التدريس المنتسبين إليها أن يسلكوا في تصرفاتهم مسلكا يتفق والاحترام الواجب باعتبارهم صورة مشرقة للعالم المسلم .
وذكرت المحكمة إن سلوك الأستاذ الجامعى ينعكس أثره على سلوكه العام فى مجال الوظيفة الجامعية مما يستلزم على الدوام تحقق السلوك القويم الصالح جنبا إلى جنب للكفاية العلمية والمهنية لعضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر لتأكيد الصلة بين الدين والحياة ، والربط بين العقيدة والسلوك ، وتأهيل عالم الدين للمشاركة فى كل أنواع النشاط والانتاج والريادة والقدرة الطيبة وعالم الدنيا للمشاركة فى الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهو ما يوجب على عضو هيئة التدريس السلوك القويم مع طلابه بحسبان أنه القائم على العملية التعليمية واكسابهم فضلا عن العلم أسس القواعد الصحيحة للتعامل القائم على الاحترام بما يتسم بالخُلق والفضيلة وحُسن السمعة بما لا يؤثر تأثيرًا سيئًا على الوظيفة التى حرص المُشرع على إحاطتها بسياج من الاحترام الذى لا يمكن التغافل عنه لعضو هيئة التدريس , فإذا قبل لنفسه هذا السلوك المعيب ، فإنه يكون قد خرج على مُقتضيات الوظيفة بالتفريط فى أعز ما يُمكن أن يتحلى به أستاذ الجامعة من جميل الخصال , خاصة في جامعة الأزهر التى تؤدى رسالتها إلى الناس أجمعين وحق عليه العقاب .
وأضافت المحكمة أن الثابت من الأوراق أن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن من أنه قد خرج علي الواجب الوظيفي حيث قام بالتطاول علي طلاب الفرقة الأولى بكلية طب الأزهر بنين أثناء المحاضرة فى قاعة الامتحان بالعبارات الخارجة , وقد أجمع الطلاب على ذلك علي ذلك و اعترف الطاعن بالواقعة أمام عميد الكلية وفي حضور وكيل الكلية , ويؤيد ما تقدم من ثبوت المخالفة على الطاعن المذكرة التى تقدم بها ثلاثون طالبا من طلاب الفرقة الأولى بكلية طب الأزهر بنين الواردة أسماؤهم حصرا بتلك المذكرة أوردوا فيها لرئيس مجلس القسم أن الطاعن استخدم معهم أسلوبا غير لائق أثناء محاضرته وأنه أهان كرامتهم وكرامة الشعب المصرى بعبارات غير لائقة , ومن ثم تكون المخالفة المنسوبة إليه ثابتة فى حقه ثبوتا يقينيا .
وأشارت المحكمة أنه لا يشفع للطاعن ما ذكره فى التحقيقات من أنه صدرت منه بعض الألفاظ التي لا يتذكرها وأنه اعتذر عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعى الفيسبوك علي الصفحة الرسمية لقسم الفسيولوجي وكلية الطب وأنه فرد من الشعب المصرى , فذلك لا ينفى عنه هذا المسلك المعيب الصارخ فى سب الطلاب الذى اُئتمن على رعايتهم وتعليمهم, بل وبلغ به الشطط أن سب الشعب المصرى العظيم بعبارات غير لائقة وهو من أقدم واعظم شعوب العالم وأكثرهم تدينا وتمسكًا بأهداب الدين والوحدانية منذ فجر التاريخ قبل ظهور الأديان وصاحب حضارة تليدة بين الأمم ,وهي أفعال وألفاظ لا يجب أن تصدر من عضو هيئة تدريس المفترض فيه احاطته بتاريخ بلاده ودورها على مر العصور وكر الدهور والقدوة لطلابه في أخلاقه وسلوكياته وتصرفاته, مما يعد معه الطاعن مرتكبا مسلكًا مشينا يتنافى ما يجب أن يكون عليه عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر , وإخلالا جسيما بواجبات الوظيفة التي يشغلها وينال من مكانة الجهة التي ينتمي إليها , متعارضًا مع القيم والتقاليد الجامعية , ولا يلائم صفته كعالم مسلم , ويكون مجازاته بعقوبة اللوم مع تأخير العلاوة المستحقة موافقًا لصحيح حكم القانون.
واختتمت المحكمة أنها تسجل بعد أن كشف الطعن الماثل عن طبيعة المخالفة التى ثبتت فى حق الطاعن من قيامه بسب الطلاب وسب الشعب المصرى وهو يتبوأ مكانة علمية بجامعة الأزهر أن الأخلاق ضرورة من ضُرورات الحياة المُتحضرة، ومُتطلبًا أساسيًا لتنظيم المُجتمع واستقراره، والجامعة على وجه الخصوص كمؤسسة ذات دور تعليمي وتنويري وتربوي مسئولة عن نشر الأخلاق ليس فقط في مُمارساتها وإنما أيضًا في سياساتها وفي كل ما تدعو إليه، الجامعة مسئولة عن الالتزام الخُلقي في الأداء، ومسئولة أيضًا عن تنمية الالتزام الخُلقي بين أعضاء هيئة التدريس والطُلاب، ولما كانت الجامعة معنية ببناء البشر وتحسين ظروف الإنسان، فهى مُنظمة أخلاقية تربوية قبل أن تكون علمية ، تعنى بالبناء العلمى والخُلقى لأعضاء هيئة التدريس وكذلك الطُلاب، وعليها أن تحرص على تنمية بيئة أخلاقية للطلاب وإلا عجزت عن النهوض برسالتها، فلا انفصال بين تحقيق رسالة الجامعة وبين التزامها بالأخلاق، ولا يتصور منطقًا الزعم بأن الجامعة نجحت فى تخـريج الكـوادر وإجراء البحوث فى حين أن سلوكيات أعضاءها غير مُنسجمة مع الأخلاق، وهو ما لم يحرص الطاعن على مراعاته فى تصرفاته مع طُلابه، وقد اقترف إثما وهو يتبوأ مركزًا علميًا يحمل فيه رسالة التعليم والتربية وإعداد النشء يتعين على أعضاء هيئة التدريس الاحاطة بها والسعى للنهوض بها جنبًا إلى جنب رسالتهم التعليمية , وتقديم الكوادر الصالحة للتقدم بهذا المُجتمع , وتلكم جريمة أخلاقية بالغة الخطورة وعظيمة الأثر.