قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن من سمات هذا العصر "الحرية"؛ والحرية في مقابل الـ Freedom، ولو أننا كنا مكان المترجمين الأوائل لاخترت لهم "التفلت" وليست الحرية، لأن "Freedom" في بعض معانيها أو في كثير من دلالاتها تعني: التفلت ولا تعني كلمة الحرية التي يعنيها هذا المصطلح في استعماله التراثي بإزاء العبودية.
وأضاف «جمعة»، في منشور له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن الحرية أمر طيب يتشوف له الشرع الشريف، ويغير كثيرا من الأحكام من أجل تشوفه للحرية، فعندما نسمي شيئًا له تحميلات فلسفية أخرى قد تتوافق وقد تتخالف مع ما لدينا؛ فبهذا حصل احتلال لهذا المصطلح، وحدث اختلال لمعناه وأصبح هناك مما يزيد الفجوة بيننا وبين موروثنا.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نبهنا إلى أمر مهم من مهمات الدين وهو عدم التلاعب باللغة، كما نبهنا إلى أن التلاعب باللغة سيجر علينا أبواب شر كبيرة لا نستطيع أن نغلقها، ونستحل بها الحرام ونحرم بها الحلال، ونأمر بذلك بالمنكر وننهى عن المعروف على عكس مراد الله من خلقه، وعلى عكس ما أراده الله سبحانه وتعالى لنا من طريق مستقيم.
اقرأ أيضًا: النعم ليست مقياسا للحق.. علي جمعة يشرح آية «فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء»
وتابع المفتي السابق: "يقول النبي المصطفى والحبيب المجتبى - عليه الصلاة والسلام- عن شأن آخر الزمان « يستحلون الخمر يسمونها بغير اسمها»؛ لافتًا: لنقف عند هذه الجملة ونرى ما وراءها ونرى سيد المرسلين وهو يوجه أصحابه الكرام إلى هذه القاعدة وهذا المفتاح وذلك الباب الذي إذا التزم به الناس تميزوا في دعوتهم إلى الله، وإذا ما تركوه فرط عقدهم وانفرط نظامهم: «يستحلون الخمر يسمونها بغير اسمها».
وواصل: "وقد كان؛ نعم أسموها بالشمبانيا وبالويسكي وبالجِن وبأنواعٍ لا تتناهى لا يحصرها الخمار، شاعت وذاعت في البلاد والعباد، وأخذ الناس يتساءلون عن الفرق بين الشمبانيا وبين الخمر، وكأن الخمر قد حُصِرت في نباتٍ معين! والنبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: «كل مسكرٍ خمر»، ونهى رسول الله ﷺ " عن كل مسكرٍ ومُفَتِّر" فنهى عن المسكرات ونهى عن المخدرات، وأجمعت الأمة على أن الحشيشة التي تخدر عقل الإنسان وتغيبه عن وعيه وعن التكليف الذي أمره به ربه أنها حرام شأنها شأن الخمر؛ لأنها تُذهب العقل".
وأكمل: "فيجب علينا أن ننتبه إلى قاعدة عامة وهو أننا ينبغي ألا نُطلق الكلمات التي وضع الله لها معانٍ في اللغة العربية وعلمها لآدم وأنزلها في كتابه وأجراها على لسان نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وعلق عليها الأحكام ونقلتها الأمة جيلًا بعد جيل، لا ينبغي أن نتلاعب بمعانيها ولا ينبغي أن نضع الألفاظ بإزاء معانٍ أخرى نستحدثها و نتأثر فيها بالشرق والغرب أو نتأثر فيها بهوى أنفسنا".
ونبه إلى أن التلاعب على هذا الشأن ذاع وشاع، وأطلقنا الحرية وهي الكلمة التي جعلها رسول الله - عليه الصلاة والسلام- بإزاء الرق والعبودية وجعلناها عنوانًا على التفلت، نتفلت من كل شيء، وندعي أن ذلك التفلت يولد لدى الإنسان الإبداع، والإبداع كلمة محترمة لطيفة في اللغة العربية؛ لأن فيها إيجاد وفيها فن وفيها جمال، لكننا قد خرجنا عن حدود الجمال والفنون والإيجاد الذي يُصلح الأرض إلى بعض سمادير السكرانين.
شاهد المزيد:الرضا بالله غير رضا الله.. علي جمعة يوضح الفرق
ولفت إلى أن السمادير هي هذه الخيالات المريضة التي يراها السكران أثناء سكره، أصبحت هذه السمادير هي أساس الإبداع عندنا، فأطلقنا الإبداع على غير اسمه، وأطلقنا الحرية على غير اسمها كما نبهنا رسول الله - عليه الصلاة والسلام- إلى الخمر ألا تطلق على غير مسماها؛
فأطلقنا كلمة الحرية على التفلت، والإبداع على المخرقة، والشمبانيا على الخمر، وقس على ذلك في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع وعلوم الإنسان والقانون وفي مجال الإنسان الذي يحيا في عصره حتى اختلطت المصطلحات.