ارتبط اسمه بالعصر الذهبى لأتوبيسات النقل العام بالقاهرة ، شارك فى توريد الأسلحة للجيش المصرى خلال الفترة من 1948 – 1956 ، أهدى الحكومة المصرية مصنعا للأسمنت لتخصيص إنتاجه بالكامل لإعادة تعمير مدينة بورسعيد بعد العدوان الثلاثى ، وتبرع بمبلغ كبير لبناء مقرا جديدا لنادى الزمالك بميت عقبة وتحمل بالكامل نفقات توصيل المياه لتلك المنطقة .
عبداللطيف أبو رجيلة من أشهر رجال الاقتصاد والأعمال منذ الأربعينيات وحتى الستينيات
من القرن العشرين والملقب بـ"إمبراطور الأتوبيس" .
استفاد من تجربةأستاذه طلعت باشا حرب الذى كان يؤمن بأن النجاح كهدف.. ينبغى أن يسبق جمع الثروةلدى أى رجل أعمال .. فالمال يجب أن يستخدم بإستمرار فى مشروعات ولا يكدس فى البنوك
لحظة واحدة !! ورأى أبو رجيلة ان الثروة لا بد وأن تلعب دورا إجتماعيا يتجاوزالمصالح الشخصية.
وُلد أبورجيلةبأم درمان بالسودان، ولكنه من مدينة إسنا ، تلقى تعليمه بالقاهرة فالتحق بمدرسة السعيدية، ثممدرسة التجارة العليا، وبعد تخرجه التحقبالعمل فى بنك مصر واستفاد كثيرا من تجربة الاقتصادى الكبير طلعت حرب وكان مثله الأعلى، ثم سافر إلى لندن وروما، وزار العديد من الشركات والوكالات التجارية ، واستطاع خلالرحلته أن يعقد صفقة لتوريد المحاصيل الزراعية من مصر إلى إيطاليا ، وعقب عودته إلىمصر استقال من بنك مصر،ليشق طريقه فى مجال الأعمال.
بدأ أبورجيلة مشواره مع الإستيرادوالتصدير بمبلغ 34 جنيها هى كل ما كان يملك، اشترى مكتبا وآلةكاتبة وطوابع بريد، واستعان بموظف صغير براتب شهرى خمس جنيهات، وانطلق إلى طريق الأعمال، كان هذا المبلغ بالنسبة له رأسمال عظيم لأنه أنبت أضعاف الأضعاف.
فى البداية عمل فى توريد الحاصلاتالزراعية وتوسع فى أعماله بإيطاليا محققانجاحات رائعة ، ومكونا ثروة طائلة، ولكنها للأ سف ضاعت فى غارات الحرب العالميةالثانية، فكانت ثروته كميات كبيرة من البضائع بالموانئ الإيطالية .. لم ييأس ابورجيلة وبدأ مرة اخرى من الصفر ، عاش فى إيطاليا عدة سنوات تزوج خلالها من سيدة إيطالية ولم ينجبا . خلال فترة تواجدهفى إيطاليا اندلعت حرب 1948 فأسرع بالمساهمة فى توريد الاسلحة للجيش المصرى وحتى عام 1952.
بعد غياب دام 13 سنة عاد أبو رجيلة إلى مصر عام1949 وفى العام نفسه اشترى قطعة أرض بمساحة 6000 متر وسط البلد تطل على شوارع سليمان باشاومعروف وشامبليون وعبد الحميد سعيد، واشترى مزرعة مساحتها 400 فدان حدائق بعين شمس، وتوسعت تجارته فى الحاصلات الزراعية والخزفوالصينى وتيل الفرامل وأسس شركة القاهرة للتأمين، ولكنه بعد عدة أشهر من ثورةيوليو 1952 عاد إلى إيطاليا.
فى عام 1954 استدعاه عبد اللطيف البغدادى وزير الشئونالبلدية آنذاك، وطلب منه أن يتولىمسئولية أتوبيس القاهرة، لم يكن لأبو رجيلة أى شروط لقبول هذا الطلب فعاد إلى مصر، وعلى الفور بدأفى تنفيذ مهمته فقام بدفع مرتبات العمالالمتأخرة وقام باستيراد 400سيارة أتوبيس فاخرة تقدم خدمة راقية بمواعيد منضبطة ومنتظمة ، ومع التدريبللسائقين والكمسارية والرقابة الصارمة على جميع العاملين ، استطاع ان يرفعمستوى المرفق ويقدم خدماتة المتميزة لنحو 13
مليون راكب شهريا ، كان الزمن الفاصل بين كل أتوبيس ثلاثة دقائق ، كما أدخل خدمة الراديوفى الأتوبيسات ، وارتفع عدد العاملين بالشركة الى أربعة الآف عامل ، استطاع أبورجيلة منافسة الشركات المنافسة " مقار وسوارس " وفتح المجال لعمل المرأةبتعيين كمساريات من الفتيات يختارهن بدقةوعناية ، وكنوع من الدعاية وجذب المواطنين لأتوبيساتة ساهم فى إنتاج فيلم " الكمساريات الفاتنات " سنة1957 بطولة إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسى وأحمد رمزى ، وضم لأسطوله أتوبيسات مرسيدس ، فكان الناسيتباهون بركوب أتوبيس أبو رجيلة ، وكان يقوم بنفسه بتفقد مستوى الخدمة ، فيركب الأتوبيسمتخفيا كمواطن عادى لمراقبة مستوى الخدمة ،
وقد تم مجازاة سائق لم يلتزم بالتوقف فى إحدىالمحطات ، لكل ذلك لقب " إمبراطور الأتوبيس " .
خلال تلك الفترة وفى عام 1956تولى أبو رجيلة رئاسة نادى الزمالك ،وكان يرى أن الثروة لا بد وأن تلعب دورا اجتماعيايتجاوز المصالح الشخصية ، فحصل النادى على بطولة الدورى لأول مرة منذ انشائة عام 1191 ، وارتفعت ميزانية النادىمن 6آلاف جنيه إلى 18 ألف جنيه، تبرع أبو رجيلةلبناء مقرا جديدا لنادى الزمالك فى ميت عقبة 1959 ، بدلا من موقعة السيئ وكانمكونا من ثلاث حجرات و مدرج خشب مكان مسرح البالون الحالى ، ولكنه واجه مشكلة عجز فىالميزانية عند بناء الإستاد والذى يتطلب مبلغ 10 آلاف جنيه وبذكاء نادر نجح فىتوفير المبلغ وذلك بعد إجراء مفاوضات معالشركتين المتنافستين لتوريد البنزين والسولار لأتوبيساته ، فاستطاع تخفيض 50 مليما فى سعر الليتر ، فتم توفير أكثر من المبلغالمطلوب فقام ببناء مدرجات الدرجة الثالثة ، ومن أعماله التى تحسب إليه أنه عندما أدخلالمياه الى نادى الزمالك ، قام بمدها إلى منطقة ميت عقبة بأكملها مجانا على نفقتهالخاصة.
كانت لأبورجيلة مواقف وطنية مشرفة ، فبعد حربفلسطين 1948 لم يتردد فى تقديم الدعم للجيش المصرى ، وعندماتعرضت مصرللعدوان الثلاثى بادر بوضع سيارات شركتة تحت تصرف الجيش مع تحملة تكلفةتموينها ودفع أجور سائقيها ، وعندما طلبت منه وزارة الحربية تمويل صفقات الأسلحةالتى كان الحظر مفروضا عليها بعد حرب 1956 ،استجاب أبو رجيلة للطلب ، وحينما رفضتالحكومة الإيطالية أن يسترد امواله ، تقدم بطلبا رسميا إلى السلطات المصرية بمساعدته فى استعادة أموالهمن إيطاليا ، وذلك بأن يوكل لها إسترداد أموله فى صورة بضائع يصدرها الى مصروكانت عبارة عن ماكينات لاعمال الطرق بمبلغ 35 ألف جنيه عام1955 ، وفى 1957 عاود تقديم الطلب بحيث تكون قيمة التحويل مائة ألف جنية ، كما أعربعن استعداده لتحويل جميع إيراداته إلى مصر ! إلا أن هذا التعاون لم يدم طويلا.
شعر أبو رجيلة بالتضييق على أعمالهولم تعد الأجواء مطمئنة ، وردا على اتهامات باطلة وجهت إليه، كتب مذكرة رفعها للوزيرينعبد اللطيف البغدادى وحسن إبراهيم جاءفيها :" لا شك أنه يعز على أى مواطن صالح أن يجد نفسه موضع التشكيك والإتهامخصوصا إذا كان المواطن من رجال الأعمال الذين يعتمدون على الثقة باسمهم " إلا أن كل هذه الأعمال لم تشفعله، وقد أطاحت به قرارات التأميم عام 1961 ، فترك مصر عائدا إلى إيطاليا. وأعاد أبو رجيلة تجربته مع النقلوالمرور ولكن فى الخرطوم بالسودان .
عاد أبو رجيلة نهائيا إلى مصر فى منتصف السبعينيات،وعاش بقية عمره حزينا على إهدار تجربة بلد بكامله فى مطلع الخمسينات كانت مؤشراعلى نمو القطاع الخاص ولكن تم وأدها فى مهدها للعودة الى المربع الأول ، وكانتوصيته الأخيرة حين قال "لا نجاحلهيئة النقل إلا بمحاربة الرشوة والفساد والإهمال والتسيب " وظل يردد أن أزمةالمواصلات فى القاهرة يمكن أن تحل قبل أن ينتهى من قهوته!!!.