الحقيقة أن التدخل التركي العسكري المباشر في ليبيا قد فاق كل الحدود، وأصبحت تركيا تتحدث وكأنها صاحب الحل والعقد في الشأن الليبي، حيث أكد مسؤول تركي رفيع المستوى، في تصريح خاص لوكالة "سبوتينك"، أن أنقرة لم تقبل رئيس مجلس النواب في طبرق الليبية عقيلة صالح كبديل لقائد الجيش الليبي الوطني خليفة حفتر، في المفاوضات السياسية بليبيا. وجاء هذا التصريح على هامش زيارة قام بها وفد تركي يضم وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ووزير المالية براتالبيراق، ورئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، حيث أدلى اوغلو خلال الزيارة أيضًا بتصريح مثير للاستغراب قال فيه إن قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر:
"لا يحظى بأي شرعية في ليبيا، ويجب ألا يجلس إلى طاولة التفاوض". وقالاوغلو "ليس لحفتر أي صلاحية، وبالأساس لا شرعية له"، وتابع "شخص انقلابي مثل حفتر يريد الاستيلاء على البلد والسلطة، عوضا عن وقف إطلاق النار، يجب ألايكون طرفا وراء طاولة التفاوض، وينبغي عدم مخاطبته"!.
ولاشك أن هذه التصريحات الاستفزازية تطرح تساؤلات عدة أولها موجه إلى الاعلام القطري وغيره ممن يدافعون عن التدخل التركي في ليبيا من أتباع الجماعة الإرهابية والمتعاطفين معها: ماهو رد فعلكم لو أن مسؤول عربي قام بزيارة بنغازي وتحدث بالطريقة ذاتها عن حكومة السراج ورفض أي دور لها في تسوية الأزمة الليبية؟ وهل من المقبول أو المنطقي أن يتحدث مسؤول تابع لدولة عن مستقبل دولةأخرى ذات سيادة وعضو بالأمم المتحدة بهذه الطريقة التي لا تخلو من تحد للقانونالدولي وإرادة الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الليبي ذاته صاحب السيادة والقول الفصل في مستقبله وأرضه؟!
ثمة تساؤلات أخرى عديدة لما يعرف بحكومة الوفاق التي خلعترداء الوطنية والعروبة ورضخت تمامًا لمصلحها الذاتية وتركت للأتراك حق الحديثباسمها والتحكم في مصير ليبيا تحت غطاء تحالف مشبوه لا يخدم سوى مصالح السلطانأردوغان وأهدافه ومصالح تنظيمه الدولي الإرهابي.
الواقع يقول إن السراج ومايعرف بحكومته لم يعد أمينًا علىمصالح الشعب الليبي، ولاسيما بعد أن أقر وزير الخارجية التركي تشاوس اوغلو بأن تطوير الاتفاقيات العسكرية ومذكرات التفاهم الخاصة بالتنقيب عن الغاز والنفط يمضيعلى قدم وساق فيما يبدو أنه يأتي ضمن "مقاصة"انتهازية يحصل الأتراك بموجبها على ثروات الشعب الليبي مقابل دعم السراج عسكريًا، ناهيك عن أن تنازلات
السراج قد وصلت إلى حد منح اوغلو حق الحديث باسم هذه الحكومة المزعومة عن حدود الشرعية في ليبيا ولمن تعطي ومن يحظى بها ومن لا يحظى بها!
عندما يتحول وزير الخارجية التركية تشاوش اوغلو إلى طرف يمنحويمنع الشرعية السياسية في ليبيا نصبح جميعًا في مواجهة أضحوكة كبرى تستحق منالجميع وقفة صارمة حازمة لأن الشواهد تقول أن ليبيا تنزلق إلى ورطة كبرى وتتحولتدريجيًا إلى وكر جديد لتنظيمات الارهاب برعاية تركية، فالشرعية تمنحها الشعوبوليس الطامعين والاستعماريين الحالمين بالأمجاد الزائلة.
ورغم أنغياب الدور العربي يتحمل المسؤولية الأكبر في تفسير الخطاب الاستفزازي التركي بشأنليبيا، فإن القوى الكبرى مسؤولة أيضًا عن أطلاق يد السلطان أردوغان اقليميًا،فالمجتمع الدولي يتابع الخروقات التركية لقرارات مجلس الأمن بشأن حظر تصديرالأسلحة إلى ليبيا من دون أي ردة فعل سوى عبارات مطاطة وبيانات لا تسمن ولا تغني من جوع، فالادانات الأوروبية لم تعد تردع تركيا عن تحقيق مآربها الخبيثة، وفي
مقدمتها الاستيلاء على الثروات النفطية الليبية، او على الأقل ايجاد واقع ميدانييضمن لتركيا حصة كبرى عند تقاسم المصالح والنفوذ في هذا البلد العربي من دون أي ردو فعل من مجلس الأمن صاحب قرارات حظر تسليح أطراف الصراع الليبية، أو دول مجموعةمؤتمر برلين، التي اتفقت على مراقبة تنفيذ قرارات حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا من دون أن تتفق على آلية أو برامج تنفيذية محددة لتنفيذ ما توصلت إليه!
هناك منيعتقد بأن هناك صمت دولي على مخطط أردوغان في ليبيا وأن القوى الكبرى تترك السلطانكي يخلط الأوراق وتهيئة الساحة لتقسيم ثروات هذا البلد العربي بين الجميع في مرحلةلاحقة، ومن يشكك في هذا السيناريو لا يجد ما يرد به على مروجيه، فالحقيقة أن هناك
أيضًا صمت دولي مريب ومشبوه تجاه دور تركيا في سوريا وليبيا وأخيرًا في العراق! فتركياليست قوة عظمى كي يعتقد البعض أن تخيف الجميع وتتحرك خارجيًا وتحتل أراض دول أخرىوتفرض واقعًا استعماريًا على الأرض،وهل هناك اتفاقات وتفاهمات سرية على هذا الدور
التركي؟! أم أن انشغال العالم بقواه الكبرى بمكافحة وباء "كورونا"قد بلغحدًا يعجز الجميع معه عن لجم أطماع هذا السلطان المتهور؟
في ظل هذاالمشهد المعقد، يبقى الرهان على الشعب الليبي الصامد، في استئصال الخونة وبائعيالأوطان وتجار المصالح من أرض بلادهم وطرد العملاء والارهابيين وتطهير أراضي ليبيا واستعادة ثروات بلادهم، وهو رهان صعب ومحفوف بالعقبات والتحديات ولكنه ليس
مستحيلًا على أحفاد عمر المختار.