قال الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم،إمام وخطيب المسجد الحرام،إنهفيما ورد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لم يخش على أصحابه وأمته من الفقر، وإنما خاف عليهم من أمر آخر يتمناه الكثيرون.
وأوضح «الشريم»خلالخطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام بمكة المكرمة،أنه -صلى الله عليه وسلم خاف علينا من أن تبسط لنا الدنيا أرزاقها فنلتهي بالتنافس عليها والتصارع فيها، منوهًا بأنالله سبحانه وتعالى قد جعلها ذلولًا للناس ليمشوا في مناكبها ويأكلوا من رزقه ولا يسرفوا فيها، ولا يجعلوها أكبر همهم، ولا مبلغ علمهم بالتنافس فيها والاقتتال عليها، والتياثهم بما خشيه عليهم نبي الرحمة والهدى.
ودلل بما روي أنه لما قَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ إلى المدينة بِمَال الجزية سَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ ، فَوَافَتْهُ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَآهُمْ ، وَقَالَ : أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ قَالُوا : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ".
ونبه إلى أن الدنيا بصفاتها المتقلبة والفانية والزائلة، ليست جديرة بأن يشغل العبد نفسه بها عما هي أدوم منها وأبقى، ولا أن يطلق لعينيه العنان يمدهما إلى ما متع الله به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ليفتنهم فيه، ولا تستحق أن يوالي عليها أو يعادي، ولا أن يخاصم ويناكف، ولا أن يتحسر عليها حتى يكون حرضا أو يكون من الهالكين .
وأضاف أن من باع نفسه للدنيا أوبقها، ومن ابتاع نفسه منها أعتقها ، مشيرًا إلى أن ذوي الألباب إذا امتحنوا الدنيا تكشفت لهم حقيقتها بعد إغراء، وأن اللهث وراها مغبته عناء، وكم من مغرم بطلابها زورت له خصومًا في ثياب أصدقاء، هذه هي حقيقة الحياة ، تقلب وتغير وزوال ونوائب، لا دوام فيها ولا بقاء، فما جعل الله الخلد فيها لبشر قط.