قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله-سبحانه وتعالى- يقول: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} لافتًا: في هذه الآية بيانٌ لسنة الله الكونية التي لا تتخلف، وهو أن القوة والتمكن في الأرض ليس مقياسًا للحق.
وأضاف « جمعة» عبر منشور له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» الآية الكريمة تعني أيضًا أن النعم الربانية يعطيها الله- سبحانه وتعالى- لكل أحد للمؤمن والكافر؛ فليس الغنى، وليست الصحة، وليس الجاه، وليس السلطان، وليست القوة بمقياس للحق؛ فقد تكون مع الكافر، ومع الملحد، ومع المؤذي، ومع المفسد، وقد تكون مع التقي النقي.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أنه هكذا رأينا الأنبياء فمنهم المِلك، ومنهم من كان فقيرًا، ومنهم من كان غنيًا، كلهم كانوا أصحاب فطنة، وذكاء، وصفاء، ونقاء، واصطفاء، ولكن تقلبت عليهم الدنيا، منهم من جعل الله الدنيا في يده، ومنهم من كان فقيرًا إليه -سبحانه وتعالى- لا يسأل الناس إلحافا، كلهم كانوا من أشراف أقوامهم، كلهم كانوا صادقين، ولكن هذه المقاييس التي نسميها بمقياس النعمة فقد يُحرمها أحدهم.
وتابع المفتي السابق: لذلك رأينا من الأنبياء من ضر بصره مثل سيدنا يعقوب، ورأينا من الأنبياء من ابتلي في جسده بالمرض مثل سيدنا أيوب، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو سيد الخلق يمرض، وكان قد وقع مرةً من على الفرس فكُشح -كُشح يعني ردت ضلوعه-، وعندما حاول يهود أن يقتلوا النبي - صلى الله عليه وسلم- بالسم فدست امرأةٌ من اليهود السم في الذراع فإنه تألم وقال: «أكلة خيبر قطعت أبهري» -والأبهر هو الأورطة-.
وواصل: فالنبي - صلى الله عليه وسلم- وهو بشر عندما جُرح نزف دمًا، وكسرت رباعيته وهكذا، إذن فمقياس الحق ليس هو النعم؛ فالنعمة يتقلب فيها المؤمن والكافر، فلو كان الله -سبحانه وتعالى- جعل سنة كونه أن كل من انحرف عن طريقه أوذي لكان الناس كلهم قد استقاموا، ولكن ولأن النعمة ليست مقياسًا للحق فإنه لما {نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} ماذا فعل فيهم ربنا؟ {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} يعني نِعَم كثيرة جاءتهم لأن هذا ليس مقياسًا للحق، لا يقول أحدهم لو كان الله قد غضب عليّ لحرمني هذا كلامٌ غير سديد، لا لو أن الله سبحانه وتعالى أكرمك لوفقك لطاعته.
وأكمل: فإذا ما أردت أن تعرف قربك وبُعدك عن الله انظر إلى طاعتك هل أنت موفق للطاعة فالله راضٍ عنك، أو أنك بعيدٌ عنها فالله -سبحانه وتعالى- ليس راضٍ عنك، أما النعم فهذه يأخذها المؤمن ويأخذها الكافر ؛يرزق الله المؤمنين والكافرين من حيث لا يحتسبون، ويرزقهم رزقًا واسعا رغدا، ولكن انظر إلى نفسك في الطاعة هل أنت قد تذكرت ما ذكَّرك الله به؟ فأنت في رضاه، أو أنك على خلاف ذلك فأنت خارج دائرة نظر الله ورعايته سبحانه وتعالى، وأنت في ضلالة فلترجع، ولتراجع نفسك، ولتعد إلى الحق، وإلى دائرة نظر الله -سبحانه وتعالى- .
شاهد أيضًا: الرضا بالله غير رضا الله.. علي جمعة يوضح الفرق