مفهوم الحرية عند الجميع وفى كل الثقافات وفى كل الأعراف والمجتمعات لا خلاف داخله أنه الأمر الذى يسعى إليه الجميع للإحساس بالراحة فى تنفيذ ما يريده الفرد دون المساس بقرار الآخرين، كما أن أصحاب العقول المستنيرة والمتفتحة يعون أن السعادة نسبية فما يٌسعد البعض بالضرورة لا يسعد الأخرين، ومن هذا المنطلق فالحرية مفهوم يحتاج الى الإدراك الواعى وليس الى ترديد الكلمات دون وعيها وفهمها، ولا يحتاج الى التقليد الأعمى للمواقف والأشياء، ذلك لأن الحرية مسئولية مشتركة بين المجتمع والأفراد، كما أن مفهوم الحرية الواعى يحتاج الى إدراك أن الفرد لا يمكن أن يفرض رأيه على المجتمع الذى يعيش فيه لمجرد أنه يشعر أن ما يفعله هى الحرية.
فالخطأ الشائع عند البعض من الذين يريدون نشر مفهوم الحرية، أنهم فى الأساس لا يدركون معنى تلك الكلمة التى حملت تأويلات ومعانى ومهاترات وأشياء يستوعبها العقل وأخرى لا يستوعبها أى عقل وتفكير متزن، ولهذا أدرك أن كلمة الحرية قامت عليها حروب ومعارك أغلبها كان بقصد وعن جهل متعمد ودون فهم ودون إدراك، ودون حماية للمجتمع، ودون احترام لرأى وحرية الأغلبية فى المجتمعات، فبعض الذين يتغنون بالحرية يريدون فرض سيطرتهم وسطوتهم وعنادهم وتكبرهم وعنفهم وكل ما يعتنقونه من أفكار سلبية موجهه، يريدون بها إحراق الأخضر واليابس.
ولهذا كان الدستور والقانون هما الأساس الذى تقوم عليه الحرية، فالخرق للقانون جريمة وليس حرية، وترويج مفاهيم غير التى يحملها الدستور جريمة أكبر، لأنها لا تمت للحرية من قريب أو بعيد، والإبداع المصطنع اللا أخلاقى جريمة بكل المقاييس يجب أن يحاكم عليه صاحبه، لأن الإبداع هو امتداد الخيال وإطلاقه للعنان، ولكن وفق القيم والمعايير الأخلاقية والدينية والمجتمعية التى نعيش بها فى مجتمعنا منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها.
ولهذا أرى أن الحرية تختلف من دين الى دين ومن عقيدة الى أخرى ومن وطن الى وطن ومن مجتمع الى آخر، بل من فرد الى آخر، فكل له حق الاختيار وليس له حق نشر ما يعتقده وليس له حق فى ترويج ما يعتنقه من أفكار, لأنها فى الغالب أفكار فردية دخيلة وغير مناسبة لا تحتمل إلا الخطأ الذى يضر صاحبه ومجتمعه، وبالتالى فالحفاظ على المجتمع يأتى من الحفاظ على طريقة العرض والترويج، فحينما ترفض الدولة ترويج الأفكار السلبية، فهذا يأتى من باب الحفاظ على كيان الدولة وهويتها وأفرادها وشعبها ومعتقداتها القديمة والحديثة.
ومن أجل استكمال العناد والخطأ اللذين جاءا نتيجة التغنى بالحرية دون فهم، هو أن البعض يرى أنه لابد أن يدخل فى معارك ضارية من أجل إثبات أن معتقداته هى الأصح والأفضل، مع أنه لا يتقبل الرأى الأخر، ولا يعرف للسلم طريق ولا يمتلك حجته فى إقناع من حوله بما يحمله فى قلبه وعقله، بل إنه محدد الذكاء ومحدد الفكر.
وحينما يقع فى الفخ ولا يستطيع أن يكمل حوارا أو عرض رؤيته يتحول من إنسان يدعى المثالية ويدعى الفكر والثقافة، إلى أشبه بكائن لا يمت للإنسانية من قريب أو بعيد بل إن العنف سيكون هو الغالب على الطبع، ويستخدم هذا العنف بشتى الطرق بداية من العنف الكلامى والمشادات التى ليس لها داع من أجل فرض سيطرته على من حوله، وامتدادا بالعنف الحركى الذى قد يستخدم فيه بعض أجزاء من جسده، ووصولا بالعنف المجتمعى الذى قد يصل إليه من خلال تكاتفه مع بعض القلة من الجهلاء الذين اقتنعوا بالخيالات والوهم الذى يصدره فأصبحوا جماعة، مثل عنف جماعة الإخوان الإرهابية، أو عنف بعض الجماعات الليبرالية فى الغرب.
ولهذا لا يمكن بأى حال من الأحوال إفساح الطريق الى مثل هؤلاء الذى لا يدركون الواقع ولا يدركون المفاهيم التى يرددونها على ألسنتهم فى كل وقت، فبعض الذين يتغنون بالحرية يرون مثلا أن حرية الإلحاد أمر طبيعى والبعض الأخر يرى أن حرية العنف أمر طبيعى، ولا يدرون أن الحرية بريئة منهم ومن أفعالهم، فالحرية عنوان الإبداع الحقيقى وعنوان الرجولة وعنوان نشر القيم الإيجابية وعنوان الاتحاد وعنوان كل شىء جميل، طالما أصلح الفرد ما بداخله وتغنى بالحقائق وليس بالزيف المركب المصطنع، فانشروا مفهوم الحرية الحقيقى قبل أن يصبح مدخلا للإلحاد والعنف.