قال الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتي الجمهورية، إن الزهد في الدنيا يقصد منه أن تتعامل مع الحياة بجوارحك ولا تكون في القلب، ولا يعني ترك الحياة.
وأضاف «عاشور» خلال فيديو البث المباشر لدار الإفتاء على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» أن الزهد الصحيح يجعلك تستخدم الحياة، وعدمه يجعلها تستخدمك وتأثرك، كأن تجعل همك جمع المال وهو في قلبك وكل ما يشغل بالك.
وأوضح مستشار مفتي الجمهورية أن الزهد لا يعني ترك المال على سبيل المثال، فيمكن أن تكون زاهدًا وأنت تجمع المال، ويكون غرضك هو أن تعف نفسك وأولادك، فتتمع به في حياتك وتسعد الآخريين.
ونبه الدكتور مجدى عاشور أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- كان يفرح عندما يأتيه مال، فيسعد به الفقراء ويعطى صحابته منه، ناصحًا بتريد هذا الدعاء دائمًا: « اللهم اجعل الدنيا في ايدينا ولا تجعلها في قلبنا».
في سياق متصل، أجاب الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق ، عضو كبار هيئة العلماء، عن سؤال ورد اليه وذلك خلال أحد الدروس الدينية المذاعة عبر موقع اليوتيوب، يقول صاحبه: "كيف أصل لمرحلة أن تكون الدنيا في يدي وليست في قلبي ؟".
وأفاد، "جمعة"، حتى يصل الإنسان لئن يكون زاهدًا فى الدنيا عليه أولًا أن يمتلك الدنيا فى يده ثم يزهد فيها،متسائلًا : فكيف تكون لا تمتلك شئ وزاهداًَ فى الدنيا؟، قائلًا : أنهى دنيا التى زهدتها مش تملكها الأول ثم تزهد فيها، فإذا كنت ملكتها فلا تفرح بالموجود ولا تحزن على المفقود.
وأشار إلى أنه عليك ان لا تتأثر حين تمتلك شيئا ثم يضيع منك فالذى منحك مثل هذا سيعطيك غيرها، منبهًا: أنرسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا الزهد في هذه الحياة الدنيا، وتوظيف هذا الزهد للآخرة، وتوظيف ذلك الزهد بأن نجعل الدنيا في أيدينا وليست في قلوبنا لعبادة الله، وعمارة الأرض، وتزكية النفس، ومعنى الزهد أيضًا أنه ليس هو الفقر؛ فإن الزاهد يزهد من وجود؛ فلابد أولًا أن تكون الدنيا معه، أما الذي ليس معه شيء ففيم يزهد؟! هو أصلًا ليس معه شيء.
شاهد أيضًا: أمين الفتوى يوضح الفرق بين الزهد والبخل.. فيديو
واستشهد المفتي السابق بقصة يرويها أهل التربية أن رجلًا ذهب يعتزل الناس معتقدًا أن العزلة وترك الحياة الدنيا وعمارة الأرض سيمكنه الله من الخلو بنفسه، وذكر الله، والتدبر، والتأمل، ويكف شره عن الناس، ويكف عن نفسه شر الناس، فذهب إلى مكانٍ بعيد في الصحراء أو بجوار نهرٍ معزول وجلس يعبد الله سبحانه وتعالى كشأن العُبّاد في العصور الأولى التي كانت قبل الإسلام، وكان هناك أحد التلاميذ له يتردد عليه، ويخدمه إذا كانت هناك خدمة يقوم بها؛ فقال له في مرة: "أنت تنزل المدينة؟ قال: نعم، قال: هذا عنوان أخي في الله كنا سويًا في طلب العلم، وكنا سويًا في الحياة الدنيا إلى أن اعتزلت أنا هنا في ذلك الشِعْب من شعب الجبال فاذهب إليه، وسلم عليك، وقل له: إن أخاك فلان يُرسل إليك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، ويطلب منك الدعاء".
وأضاف: "هذه القصة تبين معنى الزهد الحقيقي، وأنه أمرٌ متعلقٌ بالقلب، وبالسلوك، وليس متعلقًا بالرسوم والشعائر، وأنهعندما نزل الطالب المدينة، وذهب إلى العنوان المقصود فوجئ بأنه أمام قصر منيف وله حدائق غناء، ويدل على أن هذا الرجل إما أن يكون ملكًا، وإما أن يكون ثريًا، وإما أن يكون وجيهًا، فسأل عنه، فقيل له إنه في عمل، ويأتي بعد قليل، فلما جاء الرجل جاء وهو يركب فرسًا، وحوله الحشم، والخدم، وهيئة عجيبة غريبة، دخل وأتى بالرجل، نعم أيها الضيف العزيز أكْرِموه".
واستطرد: "أنا أتيتك من أخيك فلان المعتزل في شِعب الجبل؛ ويرسل إليك السلام ويخصك بالتحية والإكرام، قال: بلغه مني السلام، وقل له: يا فلان أما آن لك أن تُخرج الدنيا من قلبك؟ فاغتاظ الطالب عن أي دنيا يتكلم ؟! أستاذي الذي في شِعب الجبال الدنيا موجودة في قلبه، وهذا الرجل الذي في القصر المنيف وحوله الحشم والخدم، وكذا إلى آخره ، أين الدنيا وأين الآخرة إذن؟ فذهب في عادته فقال له شيخه: هل وصّلت الرسالة؟ قاله: نعم، ولكن أنا غير سعيد، وقال لي أُخبرك رسالة ولكنى لا أستطيع أن أقولها، قال له: بل تكلم، قال الطالب: يقول أما آن لك أن تُخرج الدنيا من قلبك؟ فبكى وقال: صدق، فقال الطالب بتعجب: صدق؟ قال له: والله يا بني وأنا أصيد السمكة خائف هل ستخرج أم لا، -متعلق بها-، وعندما أنام أخاف أن يأتي ثعبان أو عقرب يلدغني تلدعني أم لا، عندما أجوع أخاف أن تتأخر عليَّ بالأكل؛ فالدنيا في قلبي، إذن فوجود الدنيا في القلب ليس بقلة الحيلة، ولا بقلتها في اليد بل هذا أمرٌ قلبي".
واستكمل: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَنْكِبِى فَقَالَ «كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» [البخاري] يعني تعامل مع الدنيا على أنك غريبٌ فيها، وأنك ضيفٌ فيها، الذي يتعامل معها بهذا الشأن عينه دائمًا على الآخرة، وهذه العين التي على الآخرة تتحكم في سلوكه فلا يظلم أحدا، ولا يأخذ رِشوة، ولا يسرق، ولا يغتصب لا أرضًا ولا عِرضًا، إذن دائمًا التعلق بالآخرة يمنع الإنسان ويحميه من كل هذه المصائب.