اتفق الفقهاء جميعًا على استحباب صيام يوم عرفة لغير الحاج، وصيام عرفة أفضل له فضل عظيم ومنها مغفرة الله -عز وجل- للعبد ذنوب سنة قبله وسنة بعده، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ».
قال الشيخ أحمد عبد الحليم، عضو مركز الأزهر العالمي، في إجابته عن سؤال: «هل يجوز صيام يوم عرفة في حالة إلغاء الحج هذا العام؟»، إن صيام يوم عرفة سنة مؤكدة ومستحب لغير الحاج، منوهًا بأن صيام يوم عرفة متعلق باليوم نفسه وليس بأداء الحج، لأن من يؤدي الفريضة لا يصوم هذا اليوم لانشغاله بأداء مناسك الحج ويكون قادرًا على أدائها.
حكم صيام يوم عرفة للحاج وغيره
يستحب صيام يوم عرفة لغير الحاج، واختلف الفقهاء في حكم صيام الحاج ليوم عرفة،والسبب في استحباب الفطر في يوم عرفة لِمن كان يؤدي ركن الوقوف بعرفة أن الحاج يتقوى بفطره على الطاعة والدعاء، لأن الصيام قد يسبب له التعب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- فطر يوم عرفة، قالت لبابة بنت الحارث: «أنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَومَ عَرَفَةَ في صَوْمِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: هو صَائِمٌ، وقالَ بَعْضُهُمْ: ليسَ بصَائِمٍ، فأرْسَلَتْ إلَيْهِ بقَدَحِ لَبَنٍ وهو واقِفٌ علَى بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ».
ذهب الحنفية والمالكيةإلى كراهة الصوم للحاج في يوم عرفة، وقيد الحنفية الكراهة بشرط أن يُضعِف الصومُ الحاجَّ، أما الشافعية فذهبواإلى جواز صيام عرفة لمن يؤدي الحج مشترطين أن يكون الحاج من المقيمين في مكة، وذهب إلى عرفة في الليل، أما إن كان ذهابه إلى عرفة من مكة في النهار فصيامه مخالف للأولى، بينما يُسن الفِطْر للمسافر مُطلقًا عند الشافعية.
أما الحنابلة فيرون أنه يُستحَبّ عندهم أن يصوم الحاج يوم عرفة، إلا أنهم اشترطوا أن يكون وقوفه في عرفة في الليل، وليس في النهار، فإن وقف فيه في النهار فصومه مكروه.
حكم صيام يوم عرفة
أكدت دار الإفتاء المصرية أن صيام يوم عرفة لغير الحاج سنة مؤكدة، ومكروه بالنسبة للحجاج، مشيرة إلى أن صوم العشر الأوائل للحاج مستحب.
وقالت دار الإفتاء المصرية إنه ذهب جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى عدم استحباب صوم يوم عرفة للحاج ولو كان قويًا، وصومه مكروه له عند المالكية والحنابلة وخلاف الأولى عند الشافعية؛ لما روت أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَ». أخرجه البخارى، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا «أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَصُمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ».
اقرأ أيضًا:
الحكمة من كراهية الصوم للحاج
وأوضحت أن الحكمة فى كراهة صوم يوم عرفة للحاج، قيل؛ لأنه يضعفه عن الوقوف والدعاء، فكان تركه أفضل، وقيل: لأنهم أضياف الله وزوّاره، وقال الشافعية: "ويسنّ فطره للمسافر والمريض مطلقا، وقالوا: يسنّ صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلا؛ لفقد العلة"، وذهب الحنفية، إلى استحبابه للحاج أيضا إذا لم يُضعِفه عن الوقوف بعرفات ولم يخل بالدعوات، فلو أضعفه كره له الصوم.
فضل صيام يوم عرفة
وأضافت الإفتاء أن الفقهاء اتفقوا على استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج، ورَوَى أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ». أخرجه مسلم.
وبينت أن يوم عرفة مِن أفضل الأيام، مستشهدة بما قَالَتْه عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ الله فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ». رواه مسلم (1348).
دعاء يوم عرفة
ورد أن الدعاء في يوم عرفة مستجاب لجميع العباد، كما روي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» رواه الترمذي (3585).