الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«ترامب».. بين جراح العنصرية ومؤامرة إسقاطه





عشرة أيام عسيرة من احتجاجات هزت الولايات المتحدة ولا تزال مستمرة في أعقاب مقتل المواطن الأمريكي من أصول إفريقية (جورج فلويد).. إحتجاجات وصلت لأعتاب البيت الأبيض ورافقتها إحتجاجات على مستوى البلاد وحول العالم في باريس ولندن ومدريد وبرلين وغيرها..
وقد شارك فيها عشرات الآلاف في تحدي لحظر التجوال وإجراءات الحظر والوقاية من فيروس كورونا وشهدت تواجد كافة الأعمار من أطفال وطلاب وشباب وكبار سن.. وتعد الأضخم منذ إغتيال (مارتن لوثر كينغ) عام 1968.. وأثناء مراسم تأبين (فلويد) تحدثت عائلته عن ماذا كانت تعني حياته بالنسبة لهم وفي المدن الأمريكية تحدثت الجماهير عن ماذا تعني وفاته بالنسبة لأمريكا.. فهو واحد من ضمن قائمة طويلة لضحايا عدم المساواة الممنهجة والعنصرية في أمريكا وحادثة (فلويد) هي إرهاصات لجبل جليد من التهميش وعدم المساواة وثمرة عقود من التمييز العنصري في حق السود وعبودية الأمريكان البيض ضد الأفارقة الأمريكان الذين يشعرون بأنهم مظلومون لذلك رفعت لافتات تقول (حياة السود مهمة) و (نحن بشر أيضًا) 
ولافتة رفعها مراهق أسود كتب عليها (أنا إنسان) وغيرها من العبارات التي تبرز مدى عمق الجرح الذي يعاني منه ملايين السود في أمريكا فالمجتمع الأمريكي لا يقر بكامل حرية السود وحقوقهم.
فمثلًا مدينة (مينيا بوليس) هذا المكان الذي لفظ فيه (فلويد) أنفاسه الأخيرة والذي تحول إلى مزار وضعت فيه جدارية ضخمة تحمل صورته ليس لأنه شخص مميز ولكن لأنه شخص عادي أمريكي من أصل إفريقي قتل على يد الشرطة وهي من أكثر المدن ليبرالية إلا أنها مجتمع مليء بالعنصرية سواء في التعليم والرعاية الصحية وحتى نسبة ملاك العقارات معظمهم من البيض وكذلك من يعملون بالشرطة من الأغلبية البيضاء بنسبة 60%..!
إلا أن التظاهرات تخللتها أعمال عنف حولت شوارع المدن الأمريكية إلى ما يشبه ساحة حرب وأظهرت العديد من الفيديوهات محتجون وهم يطلقون النار على الشرطة وفيديو آخر لقائد شرطة في أحد الولايات وهو أسمر البشرة يبكي بشدة ويتحدث عن أربع زملاء له أصيبوا إصابات بالغة ويتمنى أن يظلوا على قيد الحياة ويتساءل هل هناك سبب منطقي لكل ذلك؟
إن أعمال الفوضى والسلب والنهب كلها تؤكد أن التظاهرات لها أغراض سياسية خاصة وأنه تم حرق محلات السود والأقليات من قبل عصابات  أتت من خارج المدن والولايات للحرق والتخريب والسرقة..
وبلا أدنى شك ما حدث لهذا الرجل المسكين (جورج فلويد) وهو يستغيث طلبًا لإبقائه على قيد الحياة من الشرطي الأبيض يعرى مدى شدة الظلم في داخل التركيبة الإجتماعية والسياسية الأمريكية ومدى عمق وجذور المشكلة حتى أن قضية البيض والسود في أمريكا باتت من القضايا الغير قابلة للحل إلا بمعجزة ولكن دهس شرطيين وقتل أربعة آخرين وحرق مدن أمريكية بأكملها لن يعيد فلويد للحياة فهل كل ما حدث ويحدث في أمريكا الآن فقط بسبب جراح العنصرية أم هي مؤامرة لإسقاط ترامب من قبل الديمقراطيين، لأن حالة الغضب والاحتجاج التي يعاني منها ملايين السود في أمريكا من مجتمع لا يعترف بكامل حرية السود وحقوقهم هو شعور مبرر لكن لا يوجد تفسير لحالات إنفلات الأمن في المدن الكبيرة خاصة في الولايات والمدن الزرقاء الديمقراطية سوى أن الفوضى الخلاقة التي إبتكرها الديمقراطيين الأمريكان ودربوا عليها مندوبيهم في العالم يستخدمونها الآن وبنفس الأسلوب ضد الجمهوريين بأمريكا للوصول إلى أبعد مدى يحقق أغراضهم فأمريكا عميقة ومتشعبة وتحتمل تكسير عظام بين الجمهوريين والديمقراطيين ومن خلفهم مؤسسات وكيانات إقتصادية.. إن الديمقراطيون في المعارضة حاليًا إلا أن هذا لا ينفي تمكنهم من معظم مفاصل الدولة لذلك وجه ترامب إتهامات لحاكم ولاية نيويورك وعمدة واشنطن أنهم لا يعملون بشكل جيد وأن حكام الولايات يبدون ضعفاء وإذا لم يستطيعوا وقف أعمال التخريب والسلب والنهب سيقوم بإنزال الحرس الوطني نظرًا لتقاعس رؤساء الولايات..
فعمليات السرقة وتكسير واجهات المحلات ونهبها استمرت في وول ستريت أحد أشهر شوارع نيويورك رغم حظر التجوال ورغم وجود الشرطة كما وصف ترامب ما يحدث بالإرهاب المحلي وهي عبارة استوقفتني كثيرًا..
وليست مبالغة إذا قلنا أن الديمقراطيون والمتطرفون يستخدمون أزمة فيروس كورونا وقضية (فلويد) العادلة سياسيًا للتأثير على مراكز التصويت  لصالح الحزب الديمقراطي وهذا الاستخدام السياسي للأحداث يأتي ضمن سياق متكامل منذ إنتخاب ترامب بعد فشلهم في إثبات التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية السابقة وفشل محاولة عزل ترامب في الكونغرس إثر مكالمته الشهيرة مع رئيس أوكرانيا.. كل ذلك يؤكد أن ما حدث هي مؤامرة متكاملة الأركان للتأثير سلبًا على شعبية ترامب وإسقاطه في إنتخابات الرئاسة المقبلة..
وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن الرئيس ترامب فأنا لا أتفق معه في الكثير من الرؤى والقضايا ولا يعنيني أصلًا إن كان يفوز بفترة رئاسة ثانية أم لا ولكن ما يعنيني هو إفتضاح أسلوب الحزب الديمقراطي العفن الذي وقف وراء كل ما سمي بثورات الربيع العربي وهي في واقع الأمر كانت الخراب العربي.. الديمقراطيون الذين تحالفوا مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ولا يخجل أعضائها من الدفاع عنهم علنًا حتى الآن مثل الهان عمر وأخواتها وفي سبيل مصلحتهم الآن لم يتوروعوا عن إشعال أمريكا بالحرائق..
وأعتقد أن خطأ ترامب الوحيد هو أنه عندما أعلن عن استراتيجية لمواجهة العنف والفوضى والتخريب وعزمه على تصنيف الحركة اليسارية المتشددة (أنتيفا) إرهابية.. ألمح لاستخدام القوة العسكرية عندما هدد بإنزال الجيش وهو ما أحدث صدمة لدى قطاع من الشعب الأمريكي فمن غير المعتاد استخدام القوة العسكرية ضد مدنيين في أمريكا ولأنه لا حل أمني أو عسكري للآفات العنصرية التي يعاني منها المجتمع الأمريكي فما دامت التناقضات موجودة ستظل حالة الغليان الشعبي.. وقد حاول الرئيس السابق (باراك أوباما) الدخول على الخط ومساعدة المرشح الرئاسي للحزب الديمقراطي (جوبايدن) الذي تتردد علامات استفهام حول مدى صحته العقلية خاصة بعد تصريحه العنصري الذي قال فيه: لا أريد أن يعيش أبنائي في غابة مختلطة، وكتب أوباما مقال أدان فيه المحتجين والمخربين وقال دعونا لا نبرر العنف أو نشارك فيه وهنا قوبل بانتقادات لاذعة لأن هذا لم يكن موقفه في العام 2015 حيث دافع عن السود ووصفه (كورنيل ويست) الفيلسوف الأمريكي قائلًا: الوجوه السوداء في الأماكن المرتفعة لم تكن قادرة على خلق التغيير المطلوب لأنها استسلمت للإقتصاد الرأسمالي وعسكرة الدولة.. ووصلت الإنتقادات إلى حد وصف أوباما بأنه كان خادم وول ستريت وأنه كان لديه فرصة ذهبية ليفعل شيء للسود لكنه لم يأتي بجديد لحقوق السود والأقليات واتهمه آخرون بأنه كان متواطئ مع البيض ضدهم خلال ثماني سنوات قضاها في البيت الأبيض..
وبالطبع لا أحد يعلم على ماذا ستنتهي هذه التظاهرات وهل ستؤسس لأمريكا جديدة أم لا؟
فأمريكا اليوم تواجه الكثير من المتغيرات الاجتماعية التي تلقي بظلالها وتأثيرها على الساحة السياسية خاصة مع السرعة المتصاعدة للحزبين الجمهوري والديمقراطي نحو الاستقطاب من الناحية العرقية إلا أن هذه الاحتجاجات أن لم تستمر حتى نهاية السنة فلن تؤثر على انتخابات الرئاسة حتى وإن كانت استطلاعات الرأي الآن تشير إلى 54% عدم رضا عن أداء ترامب وهي نسبة عالية إلا أن استطلاعات الرأي دائمًا متذبذبة ويمكن أن تتغير في أي وقت خاصة عندما تبدأ الدعاية الانتخابية وهي لم تكن في صالح ترامب في الانتخابات السابقة بل كانت تؤكد فوز "هيلاري كلينتون" مرشحة الحزب الديمقراطي..

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط