قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بلا تنفس، وقدر الله سبحانه وتعالى مع كل نفسٍ فيك فهو مستمرٌ باستمرار أنفاسك، قدر الله سبحانه وتعالى في كل شيء، في جسدك، في قلبك، في عقلك، في أعمالك سواءٌ أكانت أعمال الجوارح، أو كانت أعمال القلوب، أو كانت أعمال العقول، هناك قدر، ولذلك {خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} فأنت وأفعالك مخلوقةٌ لله سبحانه وتعالى، هناك أيضًا العلاقات التي بينك وبين الآخرين، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقها، هذه العلاقات قد تجد أحدهم يحبك، وتجد آخر يكرهك، وتجد آخر لا يعتني بك، ولا يعرفك، وتجد آخر وكأنه يضحي بنفسه من أجلك.
وأضاف جمعة عبر صفحته على الفيسبوك: في كل نَفَس تبديه لله قدرٌ فيك يمضيه، لو أن الإنسان عرف هذه الحقيقة، ثم صدّقها، ثم عاشها، وهذه مراحل مختلفة، أنت الآن تسمع هذه الحقيقة أن الله له قدر يمضيه فيك باستمرار مع دخول كل نفسٍ وخروجه، ولكن قد لا يُصدِّق واحدٌ من الناس هذا، ويرى أن الله قد خلقنا وتركنا، الذي يُصدِّق هذا قد يغفل عن معنى هذا، وعما يستلزمه هذا، وقد يعيش في هذا المعنى، فنحن نريد من المؤمن أن يفهم، ثم يُصدِّق، ثم يعيش هذا المعنى في حياته، لو عشت هذا المعنى في حياتك فسوف تصل إلى مجموعة الأخلاق التي تصحح بها عقيدتك، وتكون مؤدبًا مع ربك، وتكون نافعًا لكونك ونفسك إذا فهمت وصدَّقت وعشت هذا المعنى.
وأكمل: «مَا مِنْ نَفَسٍ تُبْدِيهِ إِلاَّ وَلَهُ قَدَرٌ فِيكَ يُمْضِيهِ» ربنا سبحانه وتعالى جعل هذا المقام مقامًا شريفًا، ولذلك السادة الصوفية يسمون هذا المقام إذا ما الإنسان عاش في مفهوم جريان قدر الله سبحانه وتعالى في صورةٍ مستمرة بـ" أهل العنايات"؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد اعتنى بهم ووفقهم إلى هذا، أهل العنايات العناية فيها نوعٌ من أنواع التربية، ونوعٌ من أنواع الرعاية، ونوعٌ من أنواع الكنف أن تكون في كنف الله سبحانه وتعالى ؛فسُمي من يعيش في مفهوم استمرار قدر الله علينا بهذا الاسم. وأهل العنايات يشعرون بلذة في القلب إذا دخلت لا تخرج أبدا.
يقول سيدي ابن عطاء: «مَا مِنْ نَفَسٍ تُبْدِيهِ» أي تخرجه «إِلاَّ وَلَهُ قَدَرٌ فِيكَ يُمْضِيهِ» إذًا فقدر الله سبحانه وتعالى مستمر؛ لأن أنفاسك مستمرة.
اقرأ أيضا
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الوعــد وهو الجنـــة، والوعيـــد وهـــو العقــــاب -والعياذ باللّٰه- وربنا سبحانه وتعالى من أسمائه: الكريم، من أسمائه: الواسع، فاللّٰه سبحانه وتعالى لأنه كريم وواسع فتح باب الوعد حتىٰ غطَّىٰ علىٰ باب الوعيد، وفتح باب الرجاء حتىٰ غطىٰ علىٰ باب الخوف، وخاطبنا بالجمال حتىٰ غطىٰ علىٰ الجلال.. فنحن ضِعاف.
وأضاف جمعة عبر الفيسبوك ولكن يجب عليك أنك تخشىٰ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ نَبِيَّ اللّٰهِ ﷺ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّىٰ تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللّٰهِ وَقَدْ غَفَرَ اللّٰهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا». هو يعلمك أن كثرة هذا الخير كله وهذه النعمة كلها لا يجوز معها أن تبارزه بالمعصية، استحِ! فسعة رحمة اللّٰه لا تؤدي بك إلا إلىٰ الطاعة وليس إلىٰ المعصية.. تقول: يا كريم يا رب، يعني أنـت لطيـف بـي كـل هـذا اللطـف وأنـا أعصيـك! أيـن أذهب؟!! {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ، {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ }.
وأكد انه لابد أن ندرك هذه الحقيقة، سعة الوعد، سيدنا رسول اللّٰه ﷺ - فيما أخرجه البخاري عن: عَبْدَ اللّٰهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنه يَقُولُ: «أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللّٰهُ بِهَا الْجَنَّةَ». قَالَ حَسَّانُ : فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِمَاطَةِ الأَذَىٰ عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً».
«مَنِيحَةُ العنزِ» يعني أن يكون عندي ماعز أعطيتها لجاري طوال النهار لكي يحلبها ويشرب لبنها هو وأولاده ويرجعها لي آخر النهار، الماعز لم تنقص شيئًا واللبن كذلك -ففي اليوم الثاني أستطيع أن أحلبها- مصنع رباني تشرب وتأكل فيتحول الدم إلىٰ لبن { سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ }.. يعني المجهود الذي عملته والخسارة التي خسرتها لا توجد! في قائمة أربعين خصلة أعلاها منيحة العنز وهي شيء بسيط فكيف بما تحت منيحة العنز، أذهلهم الحديث! فتدارسوا ما هذا الذي تحت منيحة العنز! حتىٰ يستفيد من بعدهم «فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً»، يتدارسون فلم يحصِّلوا سوىٰ خمسة عشرة خصلة وليس أربعين.
ألَّف فيها شيخنا الشيخ عبد اللّٰه الغماري -في شرح هذا الحديث- كتابًا أسماه «تمام المِنّة في الخصال الموجبة للجنة» وحاول أن يعد الأربعين خصلة من الأحاديث، حديث يقول لك: «تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» التبسم؛ فهذه أخف من منيحة العنز: «تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْروفِ ونهيُكَ عن المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ في أَرْضِ الضَّلاَلِ لَكَ صَدَقَةٌ، وبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ والشَّوْكَ والعَظْمَ عن الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ في دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ»، فهو سبحانه واسع كريم فلا يستحق منا أن نعصاه؟! فيجب أن يحدث حياء عندنا من اللّٰه.