أن تحيا عمرك كله متوقعا ومترقبا أسباب الابتسامة والضحك من ممثل بعينه؛ لم يكن هناك من ينازعه كثيرا مكانته ومستوى أعماله، لا جدال فى استحقاقه لقب "الزعيم" بين فنانى مصر والعالم العربي.
قبل 80 سنة ولد الأستاذ عادل إمام؛ الحالة الفنية المقترنة بواقع جيلنا اجتماعيا ونفسيا، والتى شكلت كثيرا من اتجاهاتنا السلوكية وطورت أعمالها أفكارنا حتى فى مواجهة الاستبداد والقمع.
"الزعيم" حالة خاصة نادرة بحق؛ وليس ظاهرة؛ أن تجده الأول فى كافة أعماله منذ تسلم دور البطولة وحتى الآن؛ رغم آراء تجده مقدما لأدوار لا تتفق مع سنه؛ لكنك تجده يتسرب إلى قلبك مقبولا بشدة وقيمة طاقته الفنية وإبداعه، وكأن ملامحه تقترن بما تركه الزمن على وجهك أنت.
أضحكنا وأبكانا لسنوات بـ"أحلام الفتى الطائر" المجنونة و"دموع فى عيون وقحة"، وتمنينا أن يبقى بداخل بيوتنا عبر التلفاز حتى عاد إلينا فى زى "العراف" ومع "فرقة ناجى عطا الله" وفى "عوالم خفية" صنعها بذاته.
ترك بأدواره الأولى الممتعة فى "أنا وهو وهى" و"نص ساعة جواز" و"كرامة زوجتى" و"الناس اللى جوه"، أثرا لا ينسى، وبدأ مشاركة الكبار أعمالهم متسربا إلى قلوبنا بكوميديا متجددة تجمع بين الموقف والإفيه معا، فتألق مع الفارس أحمد مظهر فى "لصوص ولكن ظرفاء" ومع حسن يوسف فى "فتاة الاستعراض" وشادية فى "عفريت مراتى" و"مذكرات الآنسة منال" مع نيللي، و"حب المراهقات" مع ميرفت أمين.
خمسون فيلما تقريبا قدمها فى السبعينيات مثلت حالة توهج لنجم يصعد سلم القمة بلا نزول متبعا نظرية "بطيء لكنه أكيد"، فلا نمل معها "البحث عن فضيحة 1973 " أو "ممنوع فى ليلة الدخلة 1976 "، و "إحنا بتوع الأوتوبيس 1979 " و"خلى بالك من جيرانك"، وجميعها مع نجوم كبار لحق عادل إمام بهم ونازعهم التألق.
ثم قدم 35 فيلما خلال العقد التالى؛ وشكلت جزءا من وعى أطفال جيل الاحتجاجات على عهد نظام مبارك المنقلب اجتماعيا واقتصاديا على ما فات من سياسات كانت بحاجة إلى تعديل وإصلاح، فتألق ببطولة "على باب الوزير 1983"، وجسد ضحية مجتمع الرأسمالية الطفيلية مبكرا فى "حب فى الزنزانة، الغول، حتى لا يطير الدخان 1983 أيضا"، وقبلها بعامين واجه ملاحقات التشريع لحالة "المشبوه".
بين "سلام يا صاحبي 1986 "و "المولد 1989" اختطفنا إلى نموذج رجل الأعمال الانتهازي المعاصر بما يجمعه من صفات البلطجة المهندمة والقدرة على إدارة التصارع اللانهائي والانتقام، وبينهما جسد معاناة ضابط الشرطة وإنسانيته المكتومة بين "النمر والأنثى"، ناهيك عن عدة أفلام اخترق بها مجتمعات دنيا وطبقة وسطى اشتد تأثرها بواقعها، فلفت الأنظار إلى صراع عالم "الإنس والجن" المسيطر على كثيرين، وقدم أزمة السكن بشكل عبقري مع رفيقة دربه الفنى المعاصر يسرا فى "كراكون فى الشارع"، وفضح نموذج المحلل مع ليلى علوى فى "زوج تحت الطلب"، وفنكوش الدعاية الخادعة للسلع الوهمية مع ميرفت أمين فى "واحدة بواحدة"، وألاعيب "الأفوكاتو" وآلام الصحفى المناصر لمجتمعه ضد "الغول"، وفوضى الهجرة غير الشرعية المبكرة مع "عنتر شايل سيفه" وعالم الشحاتين السفلي فى "المتسول".
تعامل مع قضايا عصره بما فيه من صراعات وتداعيات على المجتمع خلال مرحلة التسعينات، افتتحها بأحلام الثراء والبحث عن المجهول تحت "جزيرة الشيطان"، واختتمها بالصعود الاجتماعى عبر بوابة السلطة على أكتاف البسطاء فى "الواد محروس بتاع الوزير"، وصراع الطبقات الاجتماعية فى "المنسى" ومع جماعات العنف المسلح فى "الإرهابي" وآلية صناعة الإرهاب بالإهمال فى "الإرهاب والكباب"؛ وإسقاط المواطن ضحية صراع النظام والجماعة فى "طيور الظلام" وكذا تصويره ضحية إنسانية للكذب السياسي بفيلم "النوم فى العسل"، تخللتها أفلام كوميديا العنف فى "مسجل خطر، اللعب مع الكبار، شمس الزناتى، رسالة إلى الوالى" وجميعها ركزت مع حالات اجتماعية متنوعة.
قدم البسطاء الانتهازيين بشكل فانتازي جديد فى ثلاثية "بخيت وعديلة 1995 والجردل والكنكة 1998 ، هالو أمريكا 2000 "، وجسد إنسانية الكفيف فى "أمير الظلام" واستجاب لآثار السن على وجه الفنان مؤقتا فى "التجربة الدنماركية 2003 ، عريس من جهة أمنية 2004"، وعاد لدور الدونجوان عام 2005 فى مواجهة التطبيع "السفارة فى العمارة"؛ وناقما على واقعه المنقلب فى "عمارة يعقوبيان 2006"، ومنتقدا ومتجاوبا مع مظاهر وسلوكيات الشباب فى الوسط الجامعى بفيلم "مرجان أحمد مرجان" المجسد لرجل الأعمال المتحول بفعل التشريع والظرف السياسي من فاسد إلى مفسد، ثم التفسير السلطوى لعلاقات المسلم و المسيحي فى زمن مضى عبر "حسن ومرقص"، وفساد مجتمع المصالح فى "بوبوس"، وصولا إلى "زهايمر" وانتكاسة كل معمر.
من 1960 قدم ست مسرحيات أنهى عقدا بها عند "غراميات عفيفى"، مرورا بـ"سري جدا، أنا وهو وهى، البيجامة الحمراء، حالة حب، أنا فين وأنت فين"، وتزعم جيل الطلبة المتحول فى "مدرسة المشاغبين 1973" ثم انطلق فى حالة الشخصية المنعزلة المنطوية داخل عملها "شاهد ما شافش حاجة 1976" واستمر فيها حتى عاد عام 1984 فى ثوب "الواد سيد الشغال" منظرا لحالة الانقسام الطبقي الجديدة، وبعد تسع سنوات عاد بفانتازيا "الزعيم" إلى تجديد حضوره المسرحي واختتمه فى 1999 بعرض "بودى جارد".
وظهر الزعيم إذاعيا مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ والراقية نجلاء فتحى عام 1973 فى "أرجوك لا تفهمنى بسرعة".
مسيرة عادل إمام كلها محطات فنية مهمة له كممثل، ومؤثرة فينا كجمهور قرأ كثيرا مما نتوقعه وننتظره منه، وكمجتمع يترقب من يحاكى شخصياته ويجسدها، ويعبر عن أزمات طبقاته وسماتها بتنوع ثري للشخصية وخفة ظل وثبات لصاحبها.
المسيرة التى صنعت زعامة عادل إمام فنيا استقرت قواعدها على أسس هامة لضمان التفوق فى أي مهنة، أهمها استقامة الشخص فى مساره نحو هدفه وهو النجاح والقمة، ومروره بخبرات متنوعة وشخصيات متعاظمة الطاقة وهو ما فعله عادل إمام الذي لم يترك نجما أو بطلا دون حضور معه، ولم يتوان لحظة عن الأخذ بيد كل موهوب من الأجيال الجديدة، وتلك أبسط سمات البطل الحقيقي فى نظر محيطيه ومجتمعه.
كل عام وحضرتك بخير وصحة وسعادة دائمة يا ضحكة سنين عمرنا الصعبة وصاحب المنهج الفنى المكتمل قبل بناء مدرستك فى التمثيل.. كل عام وحضرتك بخير أستاذ عادل إمام.