قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، إنالله - سبحانه وتعالى- يخاطب العالمين العالم والجاهل في كل العصور بكل الألسنة، فيرسم لنا برنامجًا بسيطًا نستطيع أن نحقق فيه ما أمر، وأول ذلك قوله - سبحانه-: (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلًا)؛ فهو مفتاح تستطيع به وحده أن تقيم الإسلام كله في نفسك، وأن تصل إلى النفس المطمئنة.
وأضاف «جمعة» في منشور له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي «فيسبوك» أنالذي يجعلك تستيقظ لقيام الليل قبل الفجر أنك تريد الله، فصل ركعتين واختمهما بركعة للوتر، فقد كان رسول الله ﷺ يصلي صلاة الليل مثنَى مثنَى، فإذا خشي الصبح أَوتر بركعة، رواه أحمد ؛ مؤكدًا: صلِّ بالليل فإن الليل صاحب القرآن، والليل فيه السكينة، وفي ثلثه الأخير ينزل ربنا -سبحانه وتعالى- إلى السماء الدنيا فيقول: (من يسألني فأعطِيَه، من يستغفِرُني فأغفِرَ له) ( رواه البخاري).
وأوضح عضو هئية كبار العلماءأن الله -سبحانه وتعالى- يعطيك فرصة، ففي هذه الأوقات بركة، وهذه البركة تتنزل فيها الأسرار والأنوار التي تنبثق من قلبك لتعلم الأدب مع الله، والأنوار التي تطمئن قلبك وتوجد البركة في حركاتك وسكناتك في يومك؛ فجربقيام الليل؛ فإن الله ينور به القلوب ويغفر به الذنوب.
وأكمل المفتي السابق: جرب قيام الليل؛ فهو مفتاح بسيط ولكن الله -سبحانه وتعالى- ذكره في سياق بناء شخصية عباد الرحمن، وأنت في قيام الليل كن خائفًا من الله، خائفًا من عذابه، ملتجئًا إليه -سبحانه وتعالى-؛ فإن هذا يجعلك تعيش في جوٍ آخر غير الجو الذي يريدون أن نعيش فيه، فتكون نفسك لوامةً في بداية الأمر ، ثم لا تزال ترتقي حتى تصير راضية مرضية بعد ذلك، مطمئنة في نهاية المطاف، كاملة في سيرها إلى الله بعد ذلك.
وأكد أن صفات عباد الرحمن تركوا المحرمات وفعلوا الخيرات، فهذه هي النفس البشرية التي أرادوا دسها في أمارة بالسوء ولا يريدون لها تزكية،هذه النفس البشرية التي رحم ربي فرضي عنها وأرضاها، إذننقاوم ونصبر على ما قد جُبلنا عليه من توجه إلى الشر، ومن ميلٍ إلى الشهوات، وينبغي علينا أن نكون من المزكين للنفس، وبداية ذلك صلاة الليل تُوقِع فيها الدعاء فتلتجئ إلى الله.
وأفاد أن من صلى الليل لا يفوته الفجر، ومن صلى الفجر كان في ذمة الله، وكلهذه الأشياء تناساها كثير من الناس، واستيقظوا بعد فوات الأوان وبعد شروق الشمس، ولا يدرون كيف أن المسلم إذا استيقظ في تلك الساعة أصبحت نفسه وَخِمَةً (أي ثقيلة) والشيطان قد ترصّد له..! جربوا مع الله ما أمر الله به، وسترونه بابًا قد فُتح لكم، فيه الجمال وفيه الراحة وفيه الطمأنينة، وهو سهل يشترك فيه كل أحد، ليس صعبًا في فهمه، ولا في تطبيقه، ولا مستحيلًا في ذاته.
وأبان أنه هكذا علمنا ربنا في بناء النفس، ولم يعلمنا أن نتبعها ونتبع هواها (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا )، ففيهذا العصر الذي تتوالى فيه الأحداث تترى- يحتاج المؤمن منا إلى نفسٍ راضيةٍ مرضيةٍ مطمئنة، يواجه بها هذا البحر بل البحار من الظلمات؛ الكيـد هنـا وهناك، وقلة العقل وقلة الحكمة التي قال فيها الله: (وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)، قد أصاب كثيرًا من الناس.
واسترسل: أنت في أشد الحاجة في هذه الأوقات إلى تقوية علاقتك مع ربك، وقيام الليل ليس بعيدًا عن الأحداث التي نحن فيها؛ فاستنجدوا بالدعاء في جوف الليل؛ (وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإنَّ الْبَلاَءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقَاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ (يتصارعان) إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (رواه الطبراني) .
واستكمل: نلجأ إليه كما لجأ إليه عبد المطلب قال: هذه غنمي وإن للبيت ربًّا يحميه، فعليناأن نحسن العلاقة مع الله حتى نتقوى في السير في هذا العصر، وحتى نواجه هذا كله؛ لأنه رُكام -وهو جمعُ شيءٍ فوقَ آخَرَ حتى يصيرَ رُكامًا- يُذهبه الله في لحظة، فندعو الله سبحانه وتعالى ألا يجعل مصيبتنا في ديننا، وألا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأن يحبب إلينا يوم لقائه، وأن يجعلنا شهداء في سبيله، وأن يحبب إلينا هذا الأمر من الدين، مختتمًا: " اللهم أحينا مسلمين، وأمتنا مسلمين، غير خزايا ولا مفتونين".