أعد فريق بحثي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، دراسة مهمة حول تحليل آثار فيروس كورونا علي الاقتصاد المصري والسياسات المقترحة للتعامل مع تداعياتها، وذلك في إطار مبادرة جامعة القاهرة لدعم البحث العلمي للمساهمة في إيجاد حلول تساهم في حل هذه الأزمة غير المسبوقة خلال العقود الأخيرة بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد.
اقرأ أيضًا:
من أهم معالم جامعة القاهرة.. تاريخ نشآة المكتبة المركزية لمساعدة الطلاب والباحثين
1300 شخص.. جامعة القاهرة تكشف إجراءات المدن الجامعية لاستقبال العائدين من الكويت ..فيديو
وانقسمت الدراسة التي أعدها قسم الاقتصاد تحت إشراف الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، والدكتور محمود السيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والدكتورة نجوي سمك رئيس قسم الاقتصاد، إلى ستة أجزاء، اهتم الجزء الأول بالوضع الصحي من حيث تفسير سلوك ونمط انتشار فيروس كورونا في مصر الحالي والمتوقع وشكل منحنى انتشار الفيروس الوبائي ثم مدى جاهزية القطاع الصحي المصري في ظل مواجهه الفيروس، وذلك لأن أي أثر اقتصادي يتوقف على الحالة الصحية والقدرة على الاحتواء.
وناقش الجزء الثاني تقدير تداعيات الفيروس على المستوى الكلي للاقتصاد ومعدلات النمو المتوقعة والأثر على أهم المتغيرات الاقتصادية الكلية ومنها التضخم وسعر الصرف ومعدل البطالة في القطاع الرسمي وغير الرسمي وعجز الموازنة.
وعرض الجزء الثالث لتحليل أهم القطاعات التي تزامن تأثرها مع بداية الأزمة مباشرة وهم قطاع السياحة والطيران وقطاع التعليم، فيما تناول الجزء الرابع للقطاعات الداعمة وتتمثل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقطاع المالي.
وناقش الجزء الخامس القطاعات الإنتاجية الأساسية مثل الزراعة والصناعة التحويلية، وأخيرا في الجزء السادس تم عرض أهم النتائج والسياسات المقترحة للاحتواء والخروج الحذر من إجراءات التحوط والوصول لمرحلة التعافي، في خمس محاور أساسية بما يساعد على سرعة التعافي ودفع هيكل الإنتاج وبرامج الحماية الاجتماعية اللازمة لاحتواء الأزمة لأكثر الفئات تضررًا واستكمال خطة التنمية المستدامة.
وأشار الدكتور محمد الخشت، في مقدمة تقرير تحليل آثار فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد المصري والسياسات المقترحة للتعامل مع تداعياته، إلي أن الوضع العالمي وصل إلى حالة غير مسبوقة في التاريخ الحديث، حيث أصبح أكبر تحدي أمام البشرية كلها وأمام وطننا، إنه تحدي للموت الأسود، وتحدي لسير عجلة الإنتاج، وتحدي للانكماش والركود الاقتصادي، وتحدي لحرب نفسية من أعداء الوطن والبشرية.
وأوضح أن كثيرا من الدول فشلت في مواجهة هذا الفيروس، سياسيا وطبيا، وفشل بعضها أخلاقيا، حيث في الوقت الذي تستولي فيه بعض الدول على المستلزمات الطبية المخصصة لدول أخرى، فإن مصر تقف بشجاعة مع الدول الأكثر تضررا وتقدم لها يد العون؛ فهذه أخلاق المصريين.
وأكد الدكتور الخشت، أنه لا شك أن انتشار فيروس كورونا في العالم، تسبب في حدوث اضطراب كبير في الاقتصاد والأسواق المالية على مستوى العالم، ولذا حاولت مصر تخفيف التداعيات الاقتصادية، واتخذت إجراءات غير مسبوقة لمكافحة الجائحة بهدف إنقاذ الأرواح وحماية المجتمع والاقتصاد؛ حيث أعلن الرئيس تخصيص 100 مليار جنيه لمواجهة آثار الفيروس لتغطية إجراءات الحماية والسلامة الصحية، بالإضافة الى مساندة الفئات والجهات المتضررة، وهو ما يمثل حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي بالاعتماد على بيانات 2018/2019.
وأشاد الدكتور الخشت، بالاجراءات التي اتخذها البنك المركزي ، مؤكدا أن الإجراءات اتسمت بالسريعة والديناميكية للتجاوب مع الأزمة العالمية، في مجال السياسات النقدية والاقتصادية، وطبقا لظروف مصر وخصوصيتها؛ حيث قدم دعما شاملا للشركات وللمستثمرين الصغار والعاملين خلال أزمة كورونا، كما قام باحتواء الضغوط التضخمية وحقق نجاحا شهدت به المؤسسات الدولية،
وأوضح أن البنك المركزى اتخذ حزمة من الإجراءات الاحتوائية بشكل استباقي لدعم الاقتصاد على كل المستويات والقطاعات لاسيما القطاع العائلي وقطاع الأعمال العام والخاص، وقدم حزمة تسهيلات متميزة لتيسير عمليات الإنتاج وعمليات استيراد السلع الغذائية، فضلا عن إعطاء دفعة نقدية واقتصادية للاعتماد على زيادة الإنتاج المحلي، وكانت فرصة حقيقية لإثبات قوة عملية الإنتاج عندنا وفرصة لتطويرها.
وأضاف الدكتور الخشت، أن الجهاز المصرفي تمتع بمعدلات سيولة متوازنة ومتغيرة، وعلى مستوى خفض أسعار العائد الأساسية تم التعامل في ضوء عدة عوامل تنسجم مع تحقيق معدل التضخم المستهدف واستقرار الأسعار على المدى المتوسط، وهو ما يؤكد قدرة البنك المركزي على تنوع القرارات حسب تغير الظروف وحسب سلوك المستهلكين والظروف المحلية والدولية.
وأشار إلى أن اتخاذ خطوة وضع حد للدفع النقدي، كانت لها فوائد عديدة منها، الخوف من مخاطر الازدحام مما يسبب العدوى، وعدم تخزين البضائع وسحبها من الأسواق، وحتى لا يتم تحويل الأموال من البنوك وحركة الاقتصاد الرسمي إلى الاقتصاد غير الرسمي وأوعية أخرى غير رسمية تضر بالاقتصاد، وحتى يتم قطع الطريق على أعداء الوطن للإضرار بحركة اقتصادنا.
ورأي الدكتور الخشت، أن العالم ومصر أمام نفق صعب جدا، وسوف نتجاوزه إن شاء الله، ويجب علينا أن نستعد لمواجهة المرحلة الثالثة ومواجهة السيناريو الأسوأ الذي نرجو ألا يحدث، ونحن نعي تماما جدية الوضع الذي تمر به بلدنا حاليا ألا وهو استمرار انتشار فيروس كورونا، لكن الجميع يبذلون كل الجهود لإيقاف سرعة انتشاره والتعامل مع تداعياته.
وأكد رئيس جامعة القاهرة أن هذا الفيروس يمثل الموت الأسود، وأصبحت البشرية تقاوم عدوا لا تراه، عدوا يطور من طريقة عمله وخططه، فلا أحد من البشرية يعلم تطعيما للفيروس ولا يوجد له مصل أو لقاح حتى الآن.
وشدد الدكتور الخشت، على أن البشرية لن تعود إلى ما كانت عليه قبل ظهور هذا الفيروس، حيث ستتغير خريطة العالم سياسيا وعلميا واقتصاديا وأخلاقيا، لأنه اختبار حقيقي يتعرض له الجميع، وعلينا أن نتعامل معه بكل جدية؛ حيث إن وباء كورونا هو أخطر ما يهدد البشرية منذ عقود.
وقال: "علينا تغيير نمط حياتنا من أجل الحفاظ عليها، وأن نتحلى بالتعقل والانضباط، والالتزام بكافة التحذيرات دون تهاون وإلا فالثمن سوف يكون غاليا، مشيرًا إلى أن الأيام القادمة هي الأخطر وعلينا التنبه الكامل أننا أمام خيار نعمة الحياة أو الموت الأسود".
وقدم رئيس جامعة القاهرة، التحية للفريق البحثي المتميز، ، مؤكدا أنه يدعمه منذ اللحظة الأولى، على الرغم من كل المشاغل التي تفرضها الظروف في إدارة أزمة متعددة الجوانب على مستوى الإجراءات الاحترازية، والعملية التعليمية، والمستشفيات الجامعية، وقطاع المدن الجامعية واستقبال المصريين العائدين من الخارج، وأيضا على مستوى المشروعات البحثية المتنوعة في كافة المجالات، مشيرًا إلى استمرار هذا الدعم إيمانا بأن الاقتصاد هو العامل الأبرز في حركة التاريخ واستقرار ونمو الدول والحضارات، وهو المحور القائد في إدارة أية أزمة.
كانت كلية الاقتصاد أقامت ندوة أون لاين للإعلان عن نتائج البحث بقيادة د. نجوى سمك رئيس القسم وتحت إشراف د. محمد عثمان الخشت رئيس الجامعة ود. محمود السعيد عميد الكلية وشارك في الندوة نخبة من الخبراء في الاقتصاد ومنهم د. محمود محي الدين مبعوث الأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030 ومحمد فريد رئيس البورصة المصرية وهاني توفيق الخبير الاقتصادي وعدد من الاساتذة والخبراء.