ليلة القدر أنزل الله -تعالى- فيها القرآن الكريم، وجعلها من أفضل الليالي، فهي ليلة مباركة، وهي خير من ألف شهر، قال تعالى : «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر»، وهي في أحد أيام العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك،في الأيام الوترية أرجى من غيرها، وأحرى الليالي هي ليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان، وقد تكون في غيرها، لذلك على المسلم أن يقوم العشر الأواخر كلها ويتحراها، حتى يدرك هذه الليلة المبارك، وما يحدث فيها.
يحدث في ليلة القدر، أولًا: تنزُل الملائكة
ليلة القدرمن الليالي التي تتنزّل فيها الملائكة بالرحمة والخير من عند الله -تعالى-، وهي تتنزّل على عباد الله -تعالى- الذاكرين له، والقائمين لعبادته؛ فيسلّمون عليهم، ويدعون لهم، ممّا يُوجب لهم حصول البركة، وينزل على رأسهم الملك جبريل -عليه السلام-، قال -تعالى-: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ)، وفي هذه الليلة المباركة لا تبقى بقعة في الأرض إلّا وفيها ملك نزل بأمرٍ من الله -تعالى- حتى تضيق الأرض بهم، وفي ذلك رُوِي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّ الملائِكةَ تلْكَ الليلةَ في الأرْضِ أكثَرُ من عدَدِ الحَصَى)، وهذا يدلّ على كثرة عدد الملائكة في هذه الليلة.
ويعَد تنزُل الملائكة على المؤمنين تشريفًا لهم، ورِفعة لمكانتهم عند الله -سبحانه وتعالى-؛ كما قيل في حكمة تنزلهم، وقيل إنه شرف للملائكة بالنزول إلى الأرض؛ لزيارة العباد الذين أحبهم الله -تعالى-، ونزول الملائكة إلى الأرض مُوجِبٌ لنَشر البركات، وحفظ المؤمنين من كلّ سوء في أنحاء الأرض، وهي تتنزّل أيضًا بكلّ أمر أراده الله -سبحانه وتعالى- في هذه السنة، أمّا الإخبار بنزولهم فقيل هو لترغيب الناس في الإكثار من الطاعات في هذه الليلة، والانشغال بالعبادات؛ لتصيبهم رحمة الله -تعالى- التي تنزل مع الملائكة، كما وقيل أنّ الملائكة تحبّ سماع صوت أنين المُستغفرين التائبين إلى الله -تعالى-.
يحدث في ليلة القدر، ثانيًا:توزيع الأرزاق والآجال
فيليلة القدريأمر الله -سبحانه وتعالى- الملائكة بكتابة ونسخ مقادير الخلائق التي ستقع في هذا العام من اللوح المحفوظ، قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)؛ فتكتب فيها الأعمار، ويكتب فيها الصحّة والمرض، والأمن والحرب، والغنى والفقر، والأرزاق والأحوال جميعها، وكل ما أراده الله -سبحانه وتعالى- أن يقع في هذه السنة، ولا يُعد هذا علمًا للغيب؛ فالله -سبحانه وتعالى- وحده المنفرد بعلم الغيب كله، قال -تعالى-: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، لكنّ الله يُطلع من شاء من خلقه على ما يشاء من أمر غيبه؛ ففي ليلة القدر يُظهر الله -تعالى- لملائكته ما أراد من الغيب في هذه السنة، ويُطلعهم عليه؛ ليؤدي كل ملك وظيفته في هذا العام من توزيعٍ للأرزاق، وقبضٍ للأرواح، وغير ذلك من الوظائف التي أمرهم الله -سبحانه وتعالى- بتنفيذها.
يحدث في ليلة القدر، ثالثًا:انتشار السلام والسكينة
ليلة القدرليلة السلام؛ ففيها يعُم السلام والأمان والسكينة، وقد وصفت ليلة القدر بالسلام لأنَ هذه الليلة لا يحدث فيها إلا كل أمر فيه خير، وفيه راحة للمؤمنين من أول هذه الليلة؛ أي من مغيب الشمس إلى طلوع فجر اليوم التالي، وفضل هذه الليلة يشمل جميع أجزاء الليل دون اختصاص الثلث الأخير من الليل أو أي جزء منه، لكنَّ الله -سبحانه وتعالى- خَصَّ هذا السلام للمؤمن القائم العابد لله -تعالى- المستغفر لذنبه والتائب عنه؛ فخاصّية السلام هي لكل من أراد قيام هذه الليلة، وهذا السلام بِشارة للمؤمن من الله -عز وجل- من إجل تجديد الهمّة وعدم الفتورعن قيام هذه الليلة المباركة.
يحدث في ليلة القدر، رابعًا:مغفرة الذنوب
ليلة القدرتغفر فيها ذنوب كل من قام هذه الليلة بإخلاصٍ لله -تعالى- دون رياء، أو رغبة منه لإشهار سمعته بين الناس، فقد رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، فقد بَشَّر النبي -عليه السلام- من يقوم هذه الليلة وهو مؤمن بالله وموقن بأنَّها إحدى ليالي رمضان، وأنّها إحدى الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان، مخلصًا لله -تعالى- ومحتسبًا أجر عبادته عند الله -سبحانه وتعالى-، وقائمًا له وتائبًا إليه؛ فقعد وعده الله بغفران ذنوب السنين الماضية جميعها، ومغفرة الله -تعالى- واسعة وتشمل صغائر الذنوب في المتّفق عليه عند جمهور العلماء كما نقله النووي، وقال بعض العلماء كالعراقي وابن المنذر أنّها تغفر كبائر الذنوب أيضًا، كما أنَّ من غفران الله -تعالى- لعبده أن يعينه على قضاء وأداء حقوق العباد التي عليه، كما أنّ ازدياد احتساب العبد وإيمانه يوجب عظم الأجر والمغفرة من الله -تعالى-، ووقوع الشك في فضل الله -تعالى- على العبد يحرمه من الخير الكثير.
اقرأ أيضًا:ليلة القدر .. أسباب تسمية الليلة المباركة بهذا الاسم
تنزّل فيها أعظم الكتب وأشرفها، ففيها أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم هداية للناس، واختصاصها بذلك دليل على علو قدرها ومنزلتها قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).
تميّزت ببركتها وما فيها من الخير والفضل العظيم، قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ)، كما أنّ فيها الكثير من الأجر والثواب للمسلم الذي يقومها.
يعتبر العمل الصالح فيها أفضل من ألف شهر فيما سواها، كما أنّ العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر دونها، أي ما يقارب عمل ثمانين عامًا، وكذلك الأجر والثواب فيها مضاعف؛ إذ أنَّ العمل في رمضان مضاعف بالأصل؛ فإنه أيضًا مضاعف في هذه الليلة أضعافًا كثيرة لا يعلمها إلّا الله -تعالى-، قال -تعالى-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).
تمتلئ ليلة القدر بالسكينة، والأمن والطمأنينة حتّى طلوع شمسها، وفيها تتنزل الملائكة بالرحمة والسلامة والخير لأهل الطاعة والإيمان، قال -تعالى-: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
شاهد أيضًا:ليلة القدر .. 18 سؤالا وجوابا .. علاماتها وفضلها ودعاؤها المستجاب