يوافق يوم غد الثلاثاء، ذكرى مرور 1080 عاما هجريا على تأسيس الجامع الأزهر الشريف، باكورة المساجد في مدينة الألف مئذنة بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي، والذى يعد من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي ، وأيقونة الدين الوسطي ورمز الدولة المصرية في الساحة الدينية العالمية.
ظل الأزهر منذ أن تأسس وحتى يومنا هذا قلعة دينية ومؤسسة إسلامية عالمية ذات تأثير عميق في المجتمع المصري والعالم الإسلامي، ورمزا من رموز وسطية الدين الإسلامي في مصر والدول الإسلامية الأخرى، ومؤخرا اضطلع بما يحفل به من هيئة كبار العلماء برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بدور بارز خلال أزمة تفشى جائحة كورونا ( كوفيد-19 ) الواقعة حاليا، إذ اصدر فتوى رسمية بجواز تعليق صلاة الجمعة وصلاة الجماعة في المساجد للحد من انتشار فيروس كورونا، معللا ذلك بأنه جاء تماشيا مع أعظم مقاصد شريعة الإسلام بحفظ النفوس وحمايتها ووقايتها من كل الأخطار والأضرار، وهو ما انسحب بالتالي فيما بعد على صلاة التراويح والقيام والتهجد مع حلول شهر رمضان في ظل استمرار وباء كورونا المستجد.
الجامع الأزهر
والجامع الأزهر هو جامع وجامعة منذ أكثر من ألف عام، وقد أنشئ على يد جوهر الصقلي عندما تم فتح القاهرة في عام 970 ميلادية بأمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر، الذي أمر ببناء مسجد كبير في المدينة الجديدة ، وقام بإرساء حجر أساسه في 14 رمضان عام 359 هـجرية ( 970 ميلادية )، وأتم بنائه في عامين (من عام 359 إلى عام 361 هجرية ) الموافقان (عامى 970 - 972 ميلادية)، فكان بذلك أقدم أثر فاطمي قائم بمصر، وأول جامع ينشئ في مدينة القاهرة،المدينة التي اكتسبت لقب "مدينة الألف مئذنة " .
وسمي المسجد في البداية بجامع المنصورية، وذلك على اسم مدينة القاهرة التي كان لسمها حينئذ " المنصورية " حيث كانت تسمية المسجد باسم المدينة التي يتواجد بها تقليدا شائعا في ذلك الوقت، ومع دخول الخليفة المعز لدين الله لمصر قام بتسمية المدينة بالقاهرة، وهكذا أصبح اسم المسجد جامع قاهرة، في أول نسخه من المصادر العربية.
واكتسب المسجد اسمه الحالي "الأزهر" ، في وقت ما بين الخليفة المعز، ونهاية عهد الخليفة الفاطمي الثاني في مصر العزيز بالله، والأزهر معناه المشرق وهو صيغة المذكر لكلمة الزهراء، والزهراء لقب السيدة فاطمة بنت الرسول محمد، زوجة الخليفة علي بن أبي طالب، حيث ادعى المعز وأئمة الدولة الفاطمية أنهم من سلفهم ، وتلك نظرية واحدة من نظريات تسمية الأزهر بهذا الإسم.
وبعد بنائه سرعان ما أصبح الأزهر مركزا للتعليم في العالم الإسلامي، وصدرت منه التصريحات الرسمية وعقدت جلسات المحكمة ، وقد عين المعز "القاضي النعمان بن محمد" ، مسئولا عن تدريس المذهب الإسماعيلى، وكانت بعض الفصول تدرس في قصر الخليفة، وكذلك في الأزهر، مع دورات منفصلة للنساء، وخلال عيد الفطر عام 973، تم إقرار المسجد مسجدا رسميا لصلاة الجماعة في القاهرة بأمر من الخليفة المعز ، وابنه عندما أصبح بدوره الخليفة، جعلوا خطبة الجمعة خلال شهر رمضان في الأزهر.
وجعل يعقوب بن كلس الموسوعي والفقيه والوزير الرسمي الأول للفاطميين من الأزهر مركزا رئيسيا للتعليم في القانون الإسلامي في عام 988 ميلادية ، وفي السنة التالية تم توظيف 45 عالما لإعطاء الدروس، وإرساء الأساس لما يمكن أن يصبح الجامعة الرائدة في العالم الإسلامي.
بني المسجد في البداية على شكل قاعة للصلاة مع خمسة ممرات وفناء مركزي متواضع، ثم وسع عدة مرات مع منشآت إضافية أحاطت بالهيكل الأصلي، وشكل العديد من حكام مصر في الفن والهندسة المعمارية للأزهر، ولهذا ترتبط الهندسة المعمارية للأزهر ارتباطا وثيقا بتاريخ القاهرة، حيث استخدمت مواد مأخوذة من فترات متعددة من التاريخ المصري، من "قدماء المصريين"، من خلال القاعدة اليونانية والرومانية، إلى الحقبة المسيحية القبطية، في بنية المسجد ، والتي استفادت من الهياكل الأخرى الفاطمية في أفريقية ، وتظهر تأثيرات من داخل وخارج مصر على حد سواء على هندسة المكان حيث تم مزجها معا في حين أن البعض الآخر يعد مصدر إلهام ويضم الجامع الأزهر، جامعة تعد الأولى في العالم الإسلامي فى تدريس المذهب السني والشريعة و القانون الإسلامي، حيث أنشأت جامعة متكاملة داخل المسجد كجزء من مدرسته منذ إنشائه، وأعلنت رسميا جامعة مستقلة بعد قيام ثورة ٢٣ يوليو في عام 1961.
ويتولى شيخ الأزهر شئونه، وأنشئ منصب شيخ الجامع الأزهر في عهد الحكم العثماني، وهو أعلى مركز في هيكل إدارة الجامع، حيث يتولى رئاسة علمائه ويشرف على شئون المسجد الإدارية، ويحافظ على الأمن والنظام بالأزهر، أظهر حكام مصر على مر العصور بدرجات متفاوتة الكثير من الاهتمام والاحترام للمسجد، وقدموا على نطاق واسع مساعدات مالية لمدرسته ولصيانته.
ورغم مدى أكثر من عشرة قرون على تأسيس الجامع الأزهر الشريف وتفاوت اهتمام حكام مصر به، إلا أن عطاءه وجهوده ظلا مستمرين انطلاقا من مسئوليته الدينية والعلمية والاجتماعية على كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، وقد عمل في الآونة الأخيرة على تفعيل دوره التاريخي فى مواجهة التطرف والإرهاب ونشر ثقافة السلام، مقدما رؤية ونشاطا يرتكزان على التطوير الذاتي، وتطوير التعليم والدعوة، وتجديد الخطاب الديني، وتدريب الأئمة الوافدين، وعقد لقاءات حوارية مع الشباب في مختلف المحافظات، وإرسال القوافل الدعوية والتوعوية والتكافلية للمناطق النائية، وإنهاء عدد من الخصومات الثأرية، وضبط الفتاوى، والمشاركة في عدد كبير من المؤتمرات والندوات داخل مصر وخارجها لتحقيق الهدف الأكبر الخاص بمكافحة التطرف ونشر الصورة الصحيحة للإسلام.
ويحرص الأزهر الشريف في رسالته على مكافحة التطرف الفكري باعتباره القضية الأبرز على الساحة حاليا والتي أصبحت تهدد استقرار المجتمعات والسلام العالمي، ولمكافحة الكراهية، شكل الإمام الأكبر لجنة لإعداد مشروع قانون لمكافحة الكراهية والعنف باسم الدين، بهدف تجريم الحض على الكراهية ومظاهر العنف التي تمارس باسم الأديان، وتم الانتهاء من مشروع القانون ليأخذ مساره التشريعي.
ويقوم الإمام الأكبر بجولات وزيارات خارجية وداخلية للدعوة للمصارحة ، ونشر السلام العالمي، ومواجهة التطرف، ونصرة القضايا الإنسانية العادلة، وقد شهد العالم بأهمية بدور الإمام الأكبر وتأثيره في الحد من التطرف، والإسهام في إرساء السلام، وهو ما أكدته العديد من الشخصيات والقيادات والمؤسسات السياسية والدينية العالمية ، وتجلى هذا التأثير الكبير للإمام الأكبر في اختياره الشخصية الإسلامية الأكثر تأثيرا في العالم للعامين متتالين، ويدرك العالم الدور المحوري للأزهر في مواجهة الإرهاب وترسيخ السلام العالمي؛ ولذلك شهدت مشيخة الأزهر الشريف توافد العديد من الشخصيات والقيادات السياسية والدينية في العالم، بما يؤكد الدور المحورى والمهم للأزهر الشريف على مختلف المستويات.