الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشيخ حسن طوبار


 توقفت أمام مقولة رائعة وهى " أن هناك أناسا تحت التراب وما زالوا أحياء يتنفسون ويستفيد منها المجتمع ، وفى المقابل هناك أناس فوق التراب يحيون ولكنهم أموات " . هذه المقولة جعلتنى أبحث عن هؤلاء الذين الذين ما زالوا أحياء بيننا بفكرهم وأعمالهم فوجدت أن تاريخنا المصرى يزخر بالكثير من الشخصيات التى أثرت فكريا ومعنويا واقتصاديا فى حياة مصر والمصريين ومنهم من ضحوا بأرواحهم لرفعة الوطن . 


الشيخ حسن طوبار الزعيم الشعبى والقائد المحرض لأعنف مقاومة شعبية ضد الحملة الفرنسية 1798م ، شيخ إقليم المنزلة كما أطلق عليه الفرنسيون.قد لا يعرفه الكثيرون منا، ومما يدعو إلى الإندهاش أن المصدر الموثق للبطولات التى حققها حسن طوبار لمواجهة سيطرة الفرنسيين على دمياط والمنصورة وإقليم المنزلة بالكامل ترجع إلى مادونه مؤرخو الحملة الفرنسية وقادتها.
وهذه حكايته .


فى تقرير قدمه الجنرال "اندريسون" أحد قادة الحملة الفرنسية إلى المجمع العلمى بمصر حول بحيرة المنزلة بعد زيارته لها قال فيه :" إن لسكان هذه الشواطئ أربعين رئيسا يتبعون الشيخ حسن طوبار الذى إحتكر الصيد فى البحر لقاء جعل - أجر – للحكومة ، وحسن طوبار من أكبر أغنياء
القطر المصرى ، وربما كان أغناهم وهو من المنزلة وفى أسرتة مشيخة البلد يتوارثونها من أربعة أو خمسة اجيال ، وله سلطة واسعة تقوم على مكانته فى النفوس وثروته وعصبيته من ذوى قرباه واتباعه ،وعلى 
 مؤازرة العرب الذين اعطاهم الأراضى ليزرعوها ويغدق على رؤسائهم بالهدايا والتحف " .


ينتسب الشيخ حسن طوبار إلى أسرة عريقة ، جاء إسم عائلته من "طبرة" على بحيرة طبرية بالشام ، حيث نزحت منها ونزلت على شاطئ بحيرة المنزلة فأقاموا بالمنزلة بالقرب من منزل الشيخ أبو نصر شهاب الدين شريف وكان من قضاة الإقليم ، ثم تصاهروا مع هذا الشيخ وبنوا بيتا بجواره عرف بالبيت الكبير قبل أن يبنى شلبى طوبار القصر المعروف باسمه ، ثم اشترت العائلة بعض
أملاك الأمير محمد الشوربجى الشهير بمحمد حسون ، وكانت المنزلة تعرف باسم منزلة
حسون .


كان حسن طوبارواسع الثراء والنفوذ ومحبوبا من الصيادين وهم سكان إقليم المنزلة ،فكان يملك اسطول صيد ضخما قدر بنحو خمسة آلاف مركب ، وعدد من مصانع نسيج القطن التى اشتهرت بها هذه المنطقة ، وكثير من المتاجر ومساحات شاسعة من الاراضى الزراعية .


 وصف " ريبو" أحد كتاب الحملة الفرنسية فى كتابة تاريخ الحملة القرنسية فى مصر سكان هذه الجهات " إن مديرية المنصورة التى كانت مسرحا للإضطرابات تتصل ببحيرة المنزلة وهى بحيرة كبيرة تقع بين دمياط وبيلوز القديمة (الطينة) والجهات المجاورة لهذه البحيرة وكذلك الجزر التى يسكنها قوم أشد بأسا وقوة من سائر المصريين ، ثم هم أغنياء بما ينالون من الصيد ولهم فى البحيرة خمسمائة أو ستمائة مركب تجعل لهم السيادة فى البحيرة ، ولهؤلاء 40 رئيسا وكل هؤلاء الرؤساء يتبعون حسن طوبار شيخ المنزلة وهو الزعيم الأكبر لهذه المنطقة " .


إهتم نابليون بالسيطرة على بلاد البحر الصغير (بحر أشمون) بين المنصورة وبحيرة المنزلة لـتامين المواصلات بين دمياط والمنصورة والصالحية وبلبيس حتى يتمكن من نقل جنوده لتامين إحتلال حدود مصر الشرقية . وكلف الجنرال دستنج بمعاقبة أهالى منية محلة دمنة والقباب الكبرى على بحر أشمون فى حال إمتناعهم عن دفع الضرائب وكلفه بإحتلال بحيرة المنزلة . وهنا ظهر إسم حسن طوبار كزعيم للمحرضين  ضد الفرنسيين 


لم تكن مهمة الفرنسيين سهلة فقد بدأ طوبار فى الذهاب بنفسه إلى البلاد لتحريض الأهالى على القتال ومن ماله الخاص جهز الاسطول البحرى الذى حارب الفرنسيين فى البحيرة وكاد يخرجهم من دمياط .فأصدر نابليون أوامرة للجنرال دوجا بالتوجه إلى البحر الصغير من المنصورة.وكانت وصلته رساله من قومندان دمياط أوضح فيها إنزعاجة من مقاصد الشيخ حسن طوبار شيخ بلد المنزلة ، ومن  حشده عددا كبيرا من المراكب فى المطرية ، فإذا كان هذا صحيحا فمن الواجب أسر الشيخ حسن طوبار وتحطيم أسطوله .


تحرك 300 جندى فرنسى بقيادة داماس نحو المنزلة ولكن عند الجمالية قابلتهم مواجهه عنيفة استمرت اربع ساعات إنسحب منها داماس وعاد إلى المنصورة ومعه قتلاه وجرحاه ، وإتضح أن طوبار كان وراء هزيمتهم فى الجمالية . وقال "لوجيه " انه كان يجوب البلاد الواقعة على بحر أشمون يحرض الأهالى على الثورة ، وكان يرسل إلى بعض البلاد الاخرى رسله وأتباعة لتنظيم المقاومة ضد الفرنسيين ، وانه هو الذى دبر واقعة الجمالية ، غير أنه من الصعب ان نلقى يدنا على هذا الرجل مع نفوذه العظيم بين الأهالى فإن فى إستطاعته أن يحشد علينا قوات كبيرة جدا وقد جاءتنا الاخبار أن أهالى بعض القرى الواقعة على النيل أطلقت النار على السفن المقلة للجنود الفرنسية وأن الدلائل تدل على أن الثورة عامة " 


حاول نابليون إستمالة حسن طوبار فأرسل له الجنرال فيال حاكم دمياط ومعه هدايا ثمينة منها سيف ذهبى ، لكن طوبار رفض مقابلته قائلا أنه لا يريد أن يرى احدا من الفرنسيين .


وأدت مقاومة الأهالى العنيفة للفرنسيين أن أرسل نابليون مزيدا من القوات لتوطيد سيطرتهم على تلك الجهات وبالفعل تم الإستيلاء على قرية الشعراء وعلى الرغم من ذلك فقد تفاقمت الثورة وتم مهاجمة السفن الحاملة للفرنسيين مما دفعهم للتنكيل بهذه البلاد ومنها ميت الخولى حيث  اعتدوا على الأهالى واستولوا على ما بها من حلى ومواشى وطيور .


وكتب اندريوس إلى نابليون "أنه لا سبيل إلى تسلط الفرنسيين على بحيرة المنزلة إلا بعد سحق حسن طوبار والقضاء على قوته الكبيرة وإنه بالإستيلاء على مدينة المنزلة التى يسكنها تصبح مركزا حربيا للحركات العسكرية فى البحيرة " .


وأرسل نابليون مددا للجنرال دوجا " وشدد عليه فى أن يأخذ حسن طوبار ولو بالخديعة وأن يرسله إلى القاهرة واوصاه بالقسوة على الثائرين وإخضاع البلاد الكائنة بين المنصورة ودمياط اخضاعا تاما ووصاه بتجريد القرى من السلاح وقطع الرؤوس واخذ الرهائن ".


وأخيرا وبعد طول عناء إستطاعت قوات أندريوس ودوجا دخول المنزلة فى 6 أكتوبر 1798م ، غير ان حسن طوبار غادرها ومعظم أهلها إلى غزة .


وظل طوبار حتى بعد هجرته إلى غزة مصدر قلق للفرنسيين مما جعل نابليون بعد إنتهاء حملته على الشام أن يسمح له بالعودة إلى مصر بشرط ان يبقى إبنه عند نابليون فى القاهرة ويعود حسن إلى دمياط مع إلتزامه  بالهدوء فى منطقته .


عاش حسن طوبار فترة قصيرة بعد عودته إلى دمياط فقد توفى فى 29 يونيو 1800م ،إحتفت بوفاته الصحف الفرنسية ونشرت الجريدة الشبه رسمية للحملة الفرنسية  فى 29 يونيو" مات فجأة حسن طوبار كبير مشايخ إقليم المنزلة مصابا بالسكتة القلبية . وكان هذا الرجل عظيم المكانة لأصله العريق وغناه الواسع وقد هاجر من بلاده فى الاشهر الأولى من الحملة وعاد إليها بعد الزحف على سوريا ، وأذن له الجنرال بونابرت فى الرجوع إلى مصر فأذعن من يومئذ وأخلد للسكون وقد خلفه فى شياخة إقليم المنزلة أخوه شلبى طوبار " .



 



 



 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط