قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

تدهور أسعار النفط يفاقم مشكلات الخلل البيئى في جنوب نيجيريا

النفط
النفط
×

لا تزال منطقة اوجونى لاند بجنوب نيجيريا تشكل واحدة من مناطق العالم الأشد تلوثا بسبب مشروعات النفط، فقبل عشر سنوات، دعا "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" UNEP في دراسة شاملة أعدها عن أرض أوجونيلاند في نيجيريا، إلى إطلاق برنامج بيئي بتكلفة مليار دولار للتخلص من تلوث نفطي متوطن وممتد منذ عقود في المنطقة بسبب تسرب الزيت الخام من آبار المنطقة التي أغلقت بعد أن استفحلت الأزمة وباتت عصية على الحل.

وتركت حالة السقوط الحر التي تعانيها العديد من الاقتصادات المختلفة والتراجعات الحرجة لأسعار النفط في الأسواق العالمية، وتأثر الاقتصاد النيجيري المعتمد على النفط بكثافة، فضلًا عن تداعيات وباء كورونا فيروس ، مجتمعات دلتا النيجر فريسة للقلق والمخاوف بأن قضية التلوث البيئي الصارخة وتأثر معيشة مواطني المنطقة ستدخل طي النيسان ولن تلقى اهتمامًا على الصعيدين المحلي والدولي.

وتمتد أوجونيلاند لمساحات شاسعة تصل إلى 600 كيلومتر مربع في وسط إقليم دلتا النيجر بجنوب نيجيريا، التي تضم أكثر آبار النفط الخام ربحية في التاريخ، وتحتوي على شبكة معقدة من أنابيت نقل النفط الخام المتهالكة والمهترئة، ورغم الإعلان عن برنامج المليار دولار، فإن المنطقة لا تزال تعد أكبر منطقة مائية وبرية ملوثة بالنفط على مستوى العالم وتحمل أضرارًا مميتة على البيئة والمجتمعات المحلية المحيطة.

ويؤكد "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" أن التلوث الناجم عن تسرب النفط في أراضي أوجونيلاند أسوأ بكثير من حيث كميات النفط المتسربة والتدمير الناجم للبيئة المحيطة مما تسببت فيه حادثة شركة "بريتش بتروليوم" BP في حقل هورايزون في المياه العميقة حين تسرب 9ر4 مليون برميل في خليج المكسيك في عام 2010.

وبعد أن أصدرت محكمة أمريكية حكمًا يحمل شركة برتش بتروليوم "بي بي" المسئولية كاملة عن التسرب الحادث في خليج المكسيك، دفعت الشركة العالمية تعويضات للحكومة الأمريكية بلغت 7ر18 مليار دولار، وأنفقت ما يقرب من 65 مليار دولار على عملية إزالة آثار التلوث النفطي التي تسببت فيها.

ونظرًا لافتقار أبوجا لقوة التفاوض والتأثير التي تتمتع بها واشنطن، لم تنجح الحكومات النيجيرية المتعاقبة في ممارسة ضغوطها على الشركات النفطية العاملة في المنطقة لإزالة التلوث الذي ضرب أراضي أوجونيلاند، ووقعت القضية ضحية لنزاعات قانونية روتينية بين المجتمعات المحلية وحكومات الولايات وشركات النفط العاملة، وكثرت القضايا المرفوعة في محاكم بريطانيا وهولندا، وجرى توظيف القضية سياسيًا لاستخدامها بين التيارات السياسية المختلفة، وفي نهاية المطاف بقي مشروع تطهير المنطقة من التلوث النفطي دون أي حراك ومصاب بالجمود بعد عشر سنوات من الدراسة الأممية.

وقالت الأمم المتحدة إن مشروع المليار دولار في أرض أوجونيلاند هو المرحلة الأولى من المشروع المقرر استمرارها خمس سنوات، وذلك في إطار برنامج طويل المدى قد يمتد لثلاثين عامًا أو أكثر لإزالة آثار التلوث النفطي الصارخ والممتد في المنطقة منذ عقود.

كانت الحكومة النيجيرية وشركات نفط عالمية، مثل "شل"، وبعض المؤسسات الدولية جمعت ما يقرب من 200 مليون دولار للبدء في المشروع.

غير أن التحركات نحو إطلاق المشروع على أرض الواقع لا يزال يفتقر إلى التنسيق، كما أن أغلب العمليات التي ينتظر تنفيذها لازال يحيطها الغموض، ولا تضع في حسبانها المجتمعات المحلية.

ورغم فداحة الأوضاع البيئية التي وصفها خبراء الأمم المتحدة بأنها "أسوأ كارثة بيئية تشتعل ببطء على مر التاريخ"، فإن الجهود المبذولة للتصدي لها غير محسوسة على الإطلاق، ولا تتناسب مع ما حدث من تدمير وتلوث استمر لعقود جراء استخراج النفط من حقول المنطقة فضلًا عن التسرب النفطي من أنابيب نقله المنتشرة في المنطقة والتي تسببت في تآكل المساحات المأهولة بالسكان.

ولم تقف الأضرار عند تلك الحدود، بل امتدت إلى تسميم المياه وتلويثها وحرمان الصيادين المحليين من مصادر كسب قوت يومهم، كما أن تلوث الأراضي ببقايا الزيت الخام المتسربة جعل من المستحيل على المزارعين فلاحتها وأدى إلى بوارها.

وكشف مسئولو برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن مستويات البنزين في شبكة مياه الشرب المحلية في أراضي أوجونيلاند بلغت 900 ضعف المستويات الآمنة المقررة من منظمة الصحة العالمية WHO.

وقد هرب الكثير من المواطنين المحليين وأهالي أوجونيلاند إلى مناطق أخرى في نيجيريا وخارجها في البلدان المجاورة جراء التلوث النفطي الواسع النطاق في المنطقة.

وتعد أراضي أوجونيلاند واحدة من بين أخرى يضمها إقليم "دلتا النيجر" الذي يشهد كثافة في عمليات استخراج الزيت الخام والتدهور البيئي المصاحب لها، وعلى مدى أكثر من نصف قرن، يشكل النفط عصب الصادرات والاقتصاد في نيجيريا وتجني شركات النفط العالمية المليارات من الدولارات، لكن ذلك كله يكبد البلاد كلفة اجتماعية وبيئية فادحة.

وتحمل قضية أراضي أوجونيلاند أبعادًا متشعبة منذ عقود، وتؤكد مجلة "أفريكا ريبورت" التي أعدت ملفًا خاصًا عن القضية نشر مسلسلا في اعدادها الأخيرة أنها ليست حديثة العهد وليست متزامنة مع صدور الدراسة الأممية، مشيرة إلى أن هناك عددًا من الناشطين الذين تبنوا الدفاع عنها من بينهم الكاتب والناشط كين سارو- ويوا الذي بدأ في ثمانينيات القرن الماضي حملة للمطالبة بتعويضات عن الأضرار البيئية الفادحة الناجمة عن التسرب النفطي في أوجونيلاند، وساهمت حملاته في وضع الأزمات البيئية في إقليم دلتا النيجير على أجندة الأنباء العالمية المهمة.

وخشية اتساع نطاق الحملات وتوظيفها سياسيًا في منطقة أوجونيلاند، أمر الرئيس النيجيري الأسبق ساني أباتشا باعتقال سارو- ويوا وثمانية من رفاقه، وخضعوا لمحاكمات عسكرية في عام 1995، وصدر بحقهم حكما بالإعدام ولم تفلح تدخلات نيلسون مانديلا وشخصيات أممية من الأمم المتحدة واتحاد الكومنوليث في إثناء أباتشا عن تنفيذ حكم الإعدام فيهم.

ونظرًا لتطورات القضية، قرر الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق كوفي عنان، التدخل بإرسال مبعوثه الخاص المحامي الماليزي، بارام كوماراسوامي، للتحقيق في أوضاع دلتا النيجر.

وبعد إطاحة أباتشي، فقد استغرق الأمر سنوات من المفاوضات والجولات داخل ردهات الأمم المتحدة حتى حصلت قضية تطهير أوجونيلاند من التلوث النفطي على الدعم اللازم لإطلاق برنامج التطهير.

وبعد سلسلة من التطورات السابقة لقضية أوجونيلاند، لا تزال هناك الكثير من الأسئلة العالقة التي أثارتها مجلة "أفريكا ريبورت"بشأن برنامج إزالة التلوث النفطي من تلك المنطقة ومستقبله ولاسيما في ضوء التحديات والمستجدات الأخيرة.

وللتخفيف من مخاوف أهالي دلتا النيجر، قام المحققان الأمميان الخاصان، روث أولورونبي وكيليتشوكوو إروما، بجولات أخيرًا في أرجاء دلتا النيجر وتحدثا مع الأهالي المتضررين بالتلوث البيئة الذي تسببت فيه شركات النفط العاملة في المنطقة.

وتختتم المجلة ملفها الخاص الذي خرج بعنوان "القاتل الصامت: الثمن المميت للنفط"، بالتعبير عن أملها أن تساعد دعوات الأمم المتحدة في بدء العمل في أكبر برنامج بيئي للتطهير في العالم، مؤكدة أن نجاح هذا المشروع سيولد خلفه نجاحات أخرى كثيرة وسلسلة من البرامج والمشروعات البيئية في المنطقة, لكن فشلها سيسمم مستقبل أجيال أخرى عانوا في تلك المنطقة الثرية بنفطها والبائسة في حظوظها.