قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، إن الدين الإسلامي حث على إطعام الطعام سواء أكان من الأغنياء إلى الفقراء أم من كرم الضيافة أم كان من قبيل حقوق الإنسانية.
واستشهد «جمعة» في منشور له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعى «فيسبوك» بقوله – تعالى- في كتابه العزيز: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا» [سورة الإِنسان: الآيات8-9].
واستدل عضو هية كبار العلماء بقول رسول الله ﷺ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِيسَلاَمٍ »،[الترمذي]، وبما روى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به»، [رواه الطبراني والبزار (بإسنادٍ حسن)].
وتابع المفتى السابق أنه كلما ذكر ابن جُدعان كان يتهلل وجهه فرحًا لما كان يفعله ذلك الجاهلي من ضيافة الحجيج، لافتًا: مكارم الأخلاق محمودة حتى ولو خرجت من المشرك فما بالك لو كانت من المؤمن، ولذلك نراه أوصى بإكرام الضيف وعده من علامات الإيمان فقال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» [البخاري].
ونبه الدكتور على جمعة أنه سواء أكان الإطعام صدقة للفقير أو إكرامًا للضيف أو إطعامًا للأسير، فهو في كل الحالات لوجه الله سبحانه وتعالى، ومن الحقوق الأساسية التي لا يجوز التلاعب بها أو الضغط بموجبها على عباد الله حتى ولو كانوا أسرى في حرب مشروعة، والتجويع لم يكن أبدًا في شريعة من الشرائع الإلهية نوعًا من أنواع العقوبة، وكذلك لم يكن أبدًا مباحًا في أي نظام قانوني في العالم إلى يومنا هذا.
وواصل أن منظومة الإسلام في فرض الزكاة وفي تحريم الربا وفي الحث على الصدقة ومنها الإطعام وفي ربط العبادات بإطعام الخلق منظومة متكاملة تحقق التكافل الاجتماعي، وتحرم في نفس الوقت التعالي والتفاخر والمنّ بين المعطي والآخذ، مشيرًا: هذا المعنى في قوله –تعالى-: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى»، [البقرة:264].
وأكمل: كما أغنى الإسلام الفقراء من الطلب بل جعل الطلب نقيصة، فنهى رسول الله ﷺ عن المسألة فقَالَ « الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ » [رواه البخاري]، وقال – تعالى-: (يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) [سورة البقرة: الآية273].
ولفت: أتذكر في أواخر الستينيات عندما كان يعرض علينا الشيوعيون مذاهبهم ويرون أن العمل الخيري من إطعام الطعام للفقراء يؤخر الثورة المنتظرة على نظام الحكم، كنا نقول لهم إننا أمام خيارين: يقول ربنا: أطعموا الطعام، وتقولون: ليستمر الناس في الجوع حتى يثوروا، فهذا أمر إلهي يتفق مع الفطرة وهذا رأي شيطاني يتفق مع الوهم.
وأردف: وكنا نذكر لهم طريفة من طرائف مشايخنا في تفسير قوله ﷺ إن الصدقة تدفع البلاء، حيث كان يقول شيخنا: والشحاذ من البلاء، ويفسر فيقول إنه إذا جاع أفسد في الأرض وان الصدقة تدفع هذا الفساد، فالشيوعيون كان يريدون ثورة ودمًا ظآنين أن ذلك سوف يذهب بالظلم الاجتماعي وهو خطأ بيّن وضلال مبين تبين لي عندما زرت الاتحاد السوفيتي الراحل في موسكو والتقيت هناك بشخص كان يحرص على حضور الإفطار مع وفدنا لأنه لا يجد بيضة يأكلها.
واسترسل: وكان يعرف عشر لغات والرقعة في سرواله لا يخطئها بصر أحدنا، وكان قد هاجر من مصر في العشرينيات، سمعته يقول عشرات المرات: "أنا حمار، لأني لم أفهم إلا متأخرًا"، وكنت أخلو إلى نفسي وأبكي على حال هذا الرجل الذي صار وراء أوهامه واكتشف الحقيقة متأخرًا، وكذلك هو الحال في الاستماع إلى الحقائق الإلهية أو الاستماع إلى الأوهام البشرية.
واختتم عضو هيئة كبار العلماء أنه لا تزال مصر بخير، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يظل أهلها يطبقون كلمة الله، فيطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، وتكون دائما موئلًا لمن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وأن تكون هي المُراغم الكثير وارض السعة، قال –تعالى-: «وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً»، [سورة النساء:الآية 100].