نعى الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم- القارئ الشيخ محمد محمود الطبلاوي – نقيب قراء ومحفظي القرآن الكريم في مصر- الذي وافته المنية مساء اليوم عن عمر ناهز 86 عامًا.
وقال مفتي الجمهورية في بيان له، إن الراحل الكريم كان أحد أعلام القراء المصريين وقد تلا آيات القرآن الكريم بصوته العذب وأبدع في تلاوته فأوصل معانيه إلى قلوب الناس.
وتوجه المفتي بخالص العزاء إلى أسرة الشيخ الطبلاوي ومحبيه، داعيًا الله أن يغفر له ويرحمه ويشفع فيه القرآن الكريم فيكون له نورًا.
والشيخمحمد محمود الطبلاويقارئ قرآن مصري ويعد أحد أعلام هذا المجال البارزين، من مواليد 14 نوفمبر 1934 بحي ميت عقبة التابع لمحافظة الجيزة.
اقرأ أيضًا:وفاة الشيخ محمود الطبلاوي بعد صراع مع المرض
وتعود أصوله إلى محافظتي الشرقية والمنوفية، وتزوج مبكرًا في سن السادسة عشرة من عمره، قرأ الشيخ محمد محمود الطبلاوي القرآن وانفرد بسهرات كثيرة وهو في الثانية عشرة من عمره ودعي لإحياء مآتم لكبار الموظفين والشخصيات البارزة والعائلات المعروفة بجوار مشاهير القراء الإذاعيين قبل أن يبلغ الخامسة عشرة واحتل بينهم مكانة مرموقة.
من مشايخه الشيخ عبد الفتاح القاضي والشيخ أحمد مرعي والشيخ رزق خليل حبة رحمهم الله جميعا و له العديد من التلاميذ أمثال الشيخ محمد المهدى شرف الدين، الذي على الرغم من ذلك لآ يقلده أبدًا.
وحرص والده على تعليمه أصول الدين الإسلامي الحنيف فألحقه بكُتاب القرية وهو في الرابعة من عمره ليكون من حفظة كتاب الله عز وجل ورجال الدين .
وفي الكُتاب أتم حفظ القرآن الكريم وتجويده وهو في العاشرة من عمره، وعلى الرغم من ذلك لم يترك الفتى القرآن ولم ينقطع عن الكّتاب وإنما ظل يتردد عليه بانتظام والتزام شديدين ليراجع القرآن مع أقرانه مرة كل شهر.
وكان شيخ الكُتاب شديد الاهتمام بالطفل الموهوب لأنه استشعر فيه خيرًا كثيرًا وساعده ليكون من أهل القرآن وتلاوته، وبدأ يشجعه على قراءة القرآن بين زملائه وفي مناسبات القرية المختلفة حتى أن الناس كانوا يقفون كثيرًا عند تلاوته ويثنون عليه ويشجعونه وشيئا فشيئا بدأ الناس يستحسنون صوته وأخذت شهرته تزداد في القرى المجاورة لقريته حتى ذاع صيته .
وهو في السادسة عشرة من عمره وأصبح القارئ المفضل لكثير من العائلات الكبرى نظرًا لقوة أدائه وقدراته العالية ونفسه الطويل الذي أهله للقراءة المتواصلة ولمدة تزيد على الساعتين دون كلل أو إرهاق، ساعده على ذلك اهتمامه الشديد بالمحافظة على صوته وتدريبه المستمر.
وكذلك حرصه على مجالسة مشاهير القراء والاستماع إليهم مباشرة وعن طريق الإذاعة أمثال الشيخ «رفعت» والشيخ «علي محمود» والشيخ «محمد سلامة» والشيخ «الصيفي» و«البهتيمي» و«مصطفى إسماعيل».
واشتهر الشيخ الطبلاوي بأدائه المتميز حتى عرف بين الناس بأنه صاحب مدرسة مميزة في القرآن قوامها صوته الرخيم وقدرته على الوصول إلى آخر آية إن احتاج الوقف إلى الوصول لكلمات معينة، وهذا التميز هو ما كان يهدف إليه الشيخ «الطبلاوي» منذ بداية حياته كقارئ.. فيقول الشيخ:
«منذ نشأتي كقارئ للقرآن الكريم في المناسبات، كنت شديد الحرص على الاستقلال والتميز بشخصيتي وطريقتي وهذا النجاح لم يأتني بين ليلة وضحاها.
ولكنه جاءني بالكفاح والعرق وبذل الجهد، لم أضع المال حاجزا بيني وبين الهدف الذي تتوق إليه نفسي وهو الوصول إلى القمة في مجال تلاوة القرآن الكريم، فقد قبلت السهر في شهر رمضان المبارك بثلاثة جنيهات فقط ولكنها كانت كثيرة جدًا بالنسبة لي».
حاول الشيخ «الطبلاوي» التقدم للإذاعة وبلغت محاولاته حينذاك أكثر من تسع مرات وكان سبب الرفض من وجهة نظر اللجنة أنه لم ينتقل من نغمة إلى أخرى وكذلك لابد من وجود طبقات موسيقية في صوته فكانوا يقولون.. لا يعطى مهلة قدرها سنة.
واستمر على هذه الحال لمدة تسع مرات حتى جاءت المرة العاشرة التي أشادت فيها اللجنة بقدراته وموسيقاه النغمية في القراءة وكذلك قدرته على الانتقال من مقام موسيقي إلى آخر بفضل إمكاناته العالية،وبعد فترة قصيرة سطع نجم الشيخ «الطبلاوي» وعرف بين الناس بأنه القارئ الوحيد الذي اشتهر في أول ربع ساعة انطلق فيها صوته عبر الإذاعة، شهرة مدوية عمت أرجاء مصر والأمة العربية والإسلامية.
وفي عام 1970 اعتمد الشيخ «الطبلاوي» قارئا مشهورًا بالإذاعة وقام بتسجيل أكثر من تلاوة قصيرة قوبلت بالإعجاب والاستحسان من قبل ملايين المستمعين وأصبح ظاهرة استحقت حديث الناس جميعًا على اختلاف أشكالهم وثقافاتهم حتى أطلق عليه الناس لقب، ظاهرة العصر..
وكان يذاع له برنامج اسمه «من إذاعتنا الخارجية» في إذاعة صوت العرب مما زاد من شهرته وأصبحت الدعوات توجه إليه من جميع الدول العربية والإسلامية .
وكذلك الدول الأوروبية وكان يستقبل فيها استقبالا حافلا، فسافر الشيخ إلى أكثر من ثمانين دولة عربية وإسلامية بدعوات خاصة ومبعوثًا من قبل وزارة الأوقاف والأزهر الشريف ممثلًا مصر في العديد من المؤتمرات ومحكمًا للكثير من المسابقات الدولية التي تقام بين حفظة القرآن الكريم من كل دول العالم، فمن اليونان جاءته دعوة ليتلو القرآن أمام مسلمي اليونان.
وكانت المرة الأولى في تاريخ اليونان التي يقرأ فيها القرآن علنًا ومباشرة إلى جمهور المستمعين، وكذلك وصلته دعوات من سفارة مصر في إيطاليا ليقرأ القرآن، في مدينة «روما» لأول مرة كذلك أمام جموع المسلمين من أبناء الجاليات العربية والإسلامية كما تلقى دعوة لإحياء مأتم الملكة «زين الشرف» والدة الملك «حسين» ملك الأردن في قصر رغدان لمدة سبعة أيام.
المصحف المرتل
يقول الشيخ «الطبلاوي»: «الحمد لله لقد أكرمني المولى جل شأنه بأن مكنني من تسجيل القرآن الكريم كاملًا مرتين مجودًا ومرتلًا وهذا هو الرصيد الوحيد الذي أعتز به وهو الثروة الحقيقية التي منّ الله بها علي في الدنيا والآخرة، فقد قمت بتسجيل القرآن الكريم للكويت والسعودية.
وكذلك سجلته مرة مجودًا على 75 ساعة ومرة أخرى مرتلًا على 33 ساعة هذا بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من التلاوات النادرة والحفلات الخارجية التي سجلتها في السبعينات بالمساجد الكبرى في مصر وفي بعض الدول العربية والإسلامية».
ونظرًا للشهرة الكبيرة التي حققها الشيخ الطبلاوي خلال فترة السبعينات من القرن الماضي، والتي شهدت ظهوره كقارئ على الساحة القرآنية أجري استفتاء على نجاح الأعمال الإذاعية خاصة الإذاعات الخارجية الدينية فحصل الشيخ «عبد الباسط» على المركز الأول كقارئ إذاعي من الرعيل الأول وحصل الشيخ الطبلاوي على المركز الأول على القراء الجدد.
يقول الشيخ «الطبلاوي»: كنت فخورًا بمقارنة الناس بيني وبين المرحوم الشيخ «عبد الباسط»، لأنه كان أسطورة وشمسًا لا تنكر. وعلى علاقته بالشيخ «عبد الباسط» يقول:كانت علاقتي به طيبة وخاصة من جانبه فكنت أدعى معه في سهرات كثيرة فأجد منه الترحيب والتكريم وكان يفضلني على نفسه فيقدمني لأقرأ قبله ولو بدأ هو بالقراءة كان ينتهي من التلاوة بسرعة حتى أتمكن من أخذ فرصتي فيها هذا لأن المرحوم «عبد الباسط كان يثق بنفسه ويعلم مكانته في قلوب الناس».
ولا ينسى الشيخ «الطبلاوي» زيارته للسعودية مع صديقه الشيخ «عبد الباسط عبد الصمد» لتسجيل بعض الأسطوانات وعند مقابلته مع الملك «خالد» قال له الملك: القرآن نزل هنا في الجزيرة العربية وطبع في اسطنبول وقرئ في مصر، فقلت له إنني لا أفهم، فشرح لي بأن القرآن نزل في الجزيرة على الرسول الكريم لكن أحسن طبعة لمصحف هي طبعة اسطنبول وأفضل أصوات في قراءة القرآن موجودة في مصر، فالقارئ المصري صوته جميل.
سفر الطبلاوي إلى الهند
ويتذكر الشيخ «الطبلاوي» قائلًا: سافرت إلى الهند ضمن وفد مصري وكان رئيس الوفد الدكتور «زكريا البري» وزير الأوقاف المصري حينذاك وتأخرنا عن موعد حضور المؤتمر العام المقام بجامعة الندوة بنيودلهي بسبب ظروف الطيران. فاقترح الدكتور «البري» أن يتقدم الوفد عند الدخول لأنه الوحيد المميز بالزي المعروف ولأنه مشهور وله مكانة كبيرة في قلوب الناس هناك. وبالفعل تقدمت الوفد فرحب بي رئيس المؤتمر.
وقال بصوت مرتفع «ها قد حضر أعضاء الوفد المصري وعلى رأسهم الشيخ الطبلاوي، فلنبدأ احتفالنا من جديد. وكان ذلك الموقف شعور طيب جدًا أثلج صدورنا جميعًا وخصوصًا أن الندوة كانت تجمع شخصيات من دول العالم المختلفة، وبعد انتهاء المؤتمر والعودة إلى مصر كلفني الوزير بعدة مسؤوليات منها شيخ عموم المقارئ المصرية، وعضو بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وعضو بلجنة القرآن بالوزارة ومستشار ديني بوزارة الأوقاف.