قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، إن من عادة المصريين في المآتم إحضار القارئ ليقرأ ما تيسر من سورة البقرة إذا كان الوقت عصرا، وتلاوة ما تيسر من سورة يونس وهود ويوسف والرعد والنحل والإسراء إذا جن الليل, ويختمون دائما بقصار السور.
وأضاف «جمعة» عبر منشور له علي صفحته
الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» أنه كان يتم دعوة القارئ لقراءة الآيات
أثناء الدفن حتى يواري الميت التراب، وأكد أحمد أمين أن من أسباب ذلك حث النساء الحاضرات
لعملية الدفن على الامتناع عن العويل والصياح.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أن المصريين
اعتادوا الاستماع بخشوع إلى آيات القرآن متى بدأت التلاوة، ولنفس الأمر اعتاد الإمام
في المسجد قراءة ما تيسر من سورة الكهف يوم الجمعة قبل الصلاة ليحث المصلين علي الإسراع
للمسجد وعدم التأخر وللجلوس في سكون وتؤدة.
ولفت المفتى السابق الى أن الأمر امتد للحفلات
السياسية الكبيرة, فكان يدعو منظمو الحفل أحد مشاهير القراء ليبدأ الحفل بتلاوة بعض
آيات القرآن, وكان زعيم الأمة سعد زغلول باشا يفعل ذلك أثناء ثورة 1919, فكان يصاحبه
في جميع المحافل السياسية الشيخ محمود البربري الذي كان يعرف بمقرئ حزب الوفد, فلا
يبدأ الحزب اجتماعه إلا بقراءة وتلاوة الشيخ محمود.
ونبه الدكتور على جمعة أن الشيخ محمود
البربري كان يرفض التلحين في التلاوة وكان مغرما بالإعادة فيقرأ لمدة ساعات طويلة عددا
قليلا من الآيات، وعندما تم القبض عليه, طلب سعد من الشيخ منصور بدار أن يحل محله,
فلقب بمقرئ الثورة.
وتابع: أنه عندما عتزل الشيخ بدار التلاوة
بعد تأبينه سعد زغلول لمدة سبع ليال متواصلة, ولم يظهر الشيخ بعد ذلك سوى مرتين في
الذكرى السنوية الثانية لسعد زغلول سنة 1930, وفي مأتم الملك فؤاد سنة 1936.
وأشار أن أحمد أمين يؤكد أن انتشار المذياع كان له أكبر الأثر في اندثار
هذه العادة وهي دعوة المقرئين للمنازل والمحال التجارية، واقتصارها فقط على المآتم، واعتادت الإذاعة المصرية على التعاقد مع مشاهير القراء وأصحاب الأصوات الحسنة، وقامت
بتسجيل العديد من الأسطوانات فكان لها أكبر الأثر في الحفاظ على هذا التراث الضخم من
الضياع.
وأكمل:
ثم كان انطلاق إذاعة القرآن الكريم في الخامس والعشرين من مارس عام 1964م تتويجا لروح
التناغم بين الشعب المصري وكتاب الله عز وجل، لكونها أول إذاعة متخصصة في الإعلام الديني
في العالم العربي والإسلامي، وكانت أولى المهام الأساسية لهذه الإذاعة هي إذاعة آيات
القرآن الكريم مرتلا ومجودا بصوت مشاهير القراء على مدي اليوم والليلة.
وأردف:
كما اهتمت الإذاعة بالعلوم الشرعية الأخرى من تفسير وحديث وسنة وتاريخ إسلامي وغير
ذلك بما يؤكد وسطية الإسلام ويبعده عن الأفكار الهدامة المتطرفة ويرسخ حب الانتماء
للوطن والحرص على ما في الحضارة المصرية القديمة والمعاصرة من كنوز وتراث، فكانت الإذاعة
ولا تزال أحد منابر الحق.
اقرأ أيضاً//طريقة ختم القرآن في رمضان مرتين.. تعرف عليها
وأفاد الدكتور على جمعة أن أبناء مصر المحروسة عرفوا بحبهم الشديد
وشغفهم وتعلقهم الوجداني بكتاب الله, لافتًا: أن أحمد أمين كتب في كتابه الماتع,
تحت عنوان تلاوة القرآن: إن من سمات المصريين التي تميزوا بها عن سائر الشعوب ارتباطهم
بكتاب الله, فاهتموا بحفظه وعلموه أولادهم،وأنشأوا له الكتاتيب الصغيرة في مختلف أنحاء
البلاد فارتبط تعلم القرآن بتعلم القراءة والكتابة.
وأبان« جمعة» عبر منشور له على صفحته الرسمية
بموقع التواصل الإجتماعي « فيسبوك» أن الشيخ المحفظ، والذي يلقبه الأطفال (بسيدنا)، كان يقسم مهامه
بين التحفيظ والمراجعة فيحفظ الطفل ما في استطاعته طوال الأسبوع،ثم يسمع للشيخ ما
حفظا في بداية الأسبوع التالي، ويستمر في ذلك حتى يتم القرآن، حسب ما ذكره أحمد أمين
في كتابه.
وواصل عضو هيئة كبار العلماء أن الارتباط
بين المصريين وكتاب الله امتد إلى حد اتخاذ تلاوته من قبل البعض حرفة ومهنة يرتزق بهاوقد انتشرت هذه المهنة كما يؤكد أحمد أمين في قاموسه بين فاقدي البصر حتى أصبحت مصدرا
رئيسيا للرزق لمن يبتليه الله تعالى بفقد حبيبته، فيدعوه الناس إلى منازلهم في أيام
الجمع والأعياد والمآتم للقراءة.
واسترسل: فإذا كان حسن الصوت اشتهر وذاع
صيته، وإذا تدهور به الحال,،يجلس ليقرأ في الطرقات والشوارع فيعطف عليه المارة ببعض
النقود أو المأكولات، ورغم حالته هذه، إلا أنه يقع في قلب المصريين في منزلة تسمو فوق
منزلة المتسولين, باعتباره حافظا للقرآن.
وأشار الدكتور على جمعة إلى أن المصريون
يعتقدون أن قراءة القرآن في المنازل أو المحال التجارية تجلب البركة والرزق وتبعد الشياطين
والأبالسة, واعتاد الأغنياء وأفراد الطبقة المتوسطة إحضار القراء للمنازل طوال ليالي
رمضان تبركًا واحتفالا بالشهر الكريم, ويدعو صاحب المنزل الأصحاب والأقرباء للاستماع
للقارئ وشرب المشروعات الساخنة من شاي وقهوة.
وألمح عضو هيئة كبار العلماء أن هذه
العادة انتشرت أيضا بين النساء، خاصة في المآتم فظهر جيل من القارئات المصريات مثل
الشيخة: كريمة العدلية والشيخة منيرة عبده وغيرهما, وهناك تسجيلات لهن في الإذاعة المصرية
التي تم تسجيلها في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين, كما اعتادت الشيخة كريمة العدلية
إقامة حفل ضخم للإنشاد في الخميس الأول من كل شهر في أحد بيوت أثرياء الأقاليم وكان
ذلك في عام 1905، واعتاد حضور هذه الحفلات كبار القراء وهم في مقتبل العمر حينذاك مثل
الشيخ علي محمود, ومحمد رفعت, ومحمد الصيفي ومنصور بدار.
واختتم
الدكتور على جمعة أن هذه هي بعض عادات المصريين مع كتاب الله، والتي تدل على مدي تعلق
هذا الشعب بقراءة القرآن فأصبح جزءا من تراثه وثقافته وهويته وتاريخه وحضارته.
شاهد أيضاً //على جمعة: الذئب نطق بين يدي سيدنا يعقوب بما فعل أخوة يوسف