قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه فيما رواه البخاري ومسلم، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ».
وأوضح «مركز الأزهر» في شرحه للحديث الشريف، أن معنى (يباشر): من المباشرة وهي الملامسة وأصله من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة وقد ترد بمعنى الوطء في الفرج وخارجا منه والمراد هنا غير الجماع، أما المقصود بـ (أملككم لإربه): أي أقوى منكم في ضبط نفسه والأمن من الوقوع فيما يتولد عن المباشرة من الإنزال أو ما تجر إليه من الجماع، والإرب الحاجة ويطلق على العضو.
وأضاف أنه معلوم أن دين الإسلام ليس دين تبتل ولا رهبانية، بل هو دين الوسطية، قال تعالى : « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ » الآية 32 من سورة الأعراف، وقال تعالى : « وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا » الآية 77 من سورة القصص .
وتابع: و من المعلوم أيضا أن من أهداف الصوم تهذيب شهوتي البطن والفرج، والتدريب على السيطرة عليهما، والتحكم فيهما، حتى لا يجرفا المسلم بعنفوانهما إلى المحرمات فأحل الله الأكل والشرب والجماع للصائم ليلًا، وحرمها نهارًا، قال جل شأنه «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» الآية 187 من سورة البقرة.
ولفت إلى أنه لما كان الجماع ممنوعًا في نهار الصائم كان السؤال يخطر كثيرًا، ماذا عن المقدمات؟ والعربي بطبعه عاطفي، حسن العشرة لنسائه، ميال إلى المداعبة، والشريعة الإسلامية بسماحتها تحث على ذلك، لكن من أين يستقى حكم ذلك إذا لم نلجأ إلى أمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لنستكشف منهن حال النبي صلى الله عليه وسلم معهن؟ وهكذا كانت الأسئلة عن قبلة الصائم، وعن مباشرته لزوجته دون جماع.
وأشار إلى أنه قد اختلف العلماء في حكم القبلة والمباشرة تقع من الصائم لزوجته، والمقصود من المباشرة هنا التقاء البشرتين بأي وفي أي موضع من الجسد من غير الجماع، فالحكم على القبلة حكم المباشرة، فقال الشافعي وأصحابه: القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، لكن الأولى له تركها، ولا يقال إنها مكروهة له، وإنما قالوا: إنها خلاف الأولى في حقه، مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمن في حقه مجاوزة حد القبلة، ويخاف على غيره مجاوزتها، كما قالت عائشة "وأيكم يملك إربه" "وكان أملككم لإربه" أما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح عند الشافعية وفي غير الأصح عندهم مكروهة كراهة تنزيه، ذكره النووي.
وأفاد بأن حاصل هذا القول أن القبلة والمباشرة بين الزوجين في الصيام خلاف الأولى لمن علم من تجاربه وسوابقه أنها لا تحرك شهوته، ولا يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل خلاف الأولى على هذا؟ لأن الأمن في حقه أقوى من الأمن في حق غيره.
واستطرد: أما من علم من تجاربه وسوابقه أنها تحرك شهوته فهي حرام في حقه، لأنها -والحالة هذه- تؤدي إلى الإنزال المفسد للصوم، وإفساد الصوم حرام، فما أدى إليه حرام، وعند بعض الشافعية أنها مكروهة في هذه الحالة، لأن تأديتها للإنزال محتملة ظنية، فلا تأخذ حكم الإنزال، وهذا القول أضبط الأقوال في المسألة، ويجتمع عنده ظواهر الأحاديث الواردة.
ونوه بأنه يستفاد من الحديث أربعة أمور، هي:
1 - ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إرهاف العاطفة نحو أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين.
2 - وأن رسالته وجديته شيء ومداعبته لأزواجه شيء آخر، فهو في بيته بشر يشتهي ما يشتهيه البشر، بل في درجات البشرية العليا.
3 - أن القبلة من حق الزوجة على زوجها، وعليه أن يعفها ويملأ عاطفتها بالمداعبة ومقدمات النكاح.
4 - جواز الإخبار عن مثل هذا مما يجري بين الزوجين على الجملة للضرورة، قال النووي: وأما في غير حال الضرورة فمنهي عنه.