يعد الشاعر قسطنطين كفافيس، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، ووفاته في آن واحد، واحدا من أعظم شعراء اليونان الحديثين، عاش معظم حياته بالإسكندرية وتوفى فيها، وطور أسلوبه الخاص عن وعي وأصبح واحدا من أهم الشعراء ليس فقط في الشعر اليوناني بل في الشعر الغربي الحديث أيضا.
عبر كفافي كمصري يوناني في شعره عن التلاقي المشترك
بين عالم اليونان الكلاسيكية والشرق الأوسط القديم، ليقدم نصوصا شعريا معاصرة وكلاسكية
في نبرتها وشجونها.
ولد كفافي في الإسكندرية
في 19 ابريل 1863 كان ترتيبه بين إخوته التاسع والأخير، وكان أبواه من أسرة يونانية
ثرية تعمل بالتجارة في مدينة القسطنطينية، وعمد في الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية،
مات أبوه عندما كان كفافي في السابعة من عمره وبعدها بسنتين أخذت الأم أولادّها وذهبت
إلى إنجلترا لتلحق بعائلة كفافي حيث كانوا يديرون أعمالا هناك بقيت الأم وأولادها في
إنجلترا حتى بلغ كونستانتين السادسة عشرة، وقد اكتسب معرفة كبيرة بالأدب الإنجليزي
وخاصة شكسبير وبراونج وأوسكار وايلد، وكذلك اكتسب معرفة قوية باللغة الإنجليزية والسلوك
الإنجليزي حتى قيل إنه كان يتحدث اليونانية بلهجة بريطانية، كما ظل يرتدي ملابسه على
الطراز الإنجليزي طول حياته، أما بالنسبة للغة العربية فلم يكن يجيدها.
ولدى عودته إلى الإسكندرية
عام 1879 التحق بمدرسة تجارة، وكان مدير المدرسة كلاسيكيا متحمسا وألهم تلميذه الشاب
حجبٌا عميقا للأدب الكلاسيكي والحضارة اليونانية، حتى أن كفافي صار 'مواطنا يونانيا'
طول حياته، وفي عام 1882، وتجنبا للاضطرابات السياسية في الإسكندرية (دخول الإنجليز
وضرب الإسكندرية) رحلت الأم مرة ثانية مع أولادها قاصدة القسطنطينية موطن أبيها، وبقيت
الأسرة هناك ثلاث سنوات حيث واصل كونستانتين دراساته في التاريخ والحضارة البيزنطية،،
وتعلم أن يقرأ دانتي بالإيطالية، كما أهتم اهتماما خاصا باليونانية الديموطيقية.
وكتب أولي قصائده
بالإنجليزية والفرنسية واليونانية، عاد إلى الإسكندرية مع أمه عام 1885 وعاش معها حتى وفاتها عام .1899
عمل صحفيا لبعض الوقت
كما عمل مع أخيه في بورصة الإسكندرية للأوراق المالية، وكان أخوه بيتر يساعده ماديا
خلال هذه السنوات إذ أراد له أن يكرس كل وقته للكتابة، وعندما مات بيتر عام 1891 قرر
كونستانتين أن يحصل على عمل دائم، وفي السنة التالية التحق موظفا كتابيا في مصلحة الري
التابعة لوزارة الأشغال العامة حيث ظل في هذه الوظيفة ثلاثين عاما بمرتب ضئيل. وكانت
أمه تساعده ماديا حتى وفاتها.
وكان لكفافي صديق
أصغر منه سنا، وكان هذا الصديق مثقفا وناقدا لشعره، وكان كفافي يثق فيه ومعجبا به إلى
درجة كبيرة، وقد أعطي هذا الصديق لكفافي النقودّ الكافية لكي يقوم برحلته الأولي إلى
أثينا، وهناك قابل كفافي كتابا مرموقين ومحررين وأطلعهم على قصائده ومرة أخرى، وفي
عام 1903 اصطحب كفافي أّخاه المفّضل الكسندر إلى أثينا بحثا عن علاج ألمٌ به، لكن أخاه
توفي هناك، في هذه الزيارة لليونان قام الروائي اليوناني المعروف جورج اكسنوبولوس باختيار
اثنتي عشرة قصيدة من شعر كفافي ونشرها، مع مقال عن أعمال كفافي، في مجلة PANATHENEUM. وخلال تلك الفترة ماتت أمه وثلاثة من أشقائه.
ورغم أن كفافي لم
يقدم طوال حياته مجموعة من أشعاره لكي تنشر وتباع لجمهور القراء، إلا أنه من الثابت
أنه كان يكتب حوالي سعبينّ قصيدة في السنة ولكنه كان يمزقها كلها ماعدا أربع أو خمس
قصائد كل عام.
وبدأ كفافيس كتابة
الشعر في التاسعة عشرة من عمره ونشر أول مجموعة مطبوعة من أشعاره في الواحدة والأربعون
من عمره في عام 1904، وكانت تتكون من أربعة عشرة قصيدة، وفي عام 1910 نشر ثاني مجموعاته
وكانت عبارة عن الأربعة عشرة قصيدة الأولى بالإضافة إلى إثنا عشرة قصيدة جديدة، ونشرت
له مجلة " الحياة الجديدة " قصائد من عام 1908 حتى عام 1918 ومع مرور الوقت
تجاوزت شهرته الأسكندرية ووصلت للأفاق العالمية.
بعد تقاعده عن العمل
في وزارة الأشغال العمومية سنة 1922 كان كفافي يقضي وقته في القراءة والكتابة في منزله،
وفي المساء كان يذهب ليجلس مع أصدقائه من المثقفين في مقهاهم المفضل 'التريانون' و'أدونيس'
أحد هؤلاء الأصدقاء كتب أن كفافي كان يقول: 'أنا شاعر، مؤرخ.. أحس بداخلي أصواتا تقول
لي أن بامكاني كتابة التاريخ ولكن ليس لدي الوقت الكافي، وكتب بعض أصدقائه أنه بينما
كان ينظر من نافذة بيته قال: 'أي مكان أجمل من هذا يمكن أن أستقر فيه، وسط مراكز الوجود
هذه: مبغي، وكنيسة للغفران، ومستشفي يموت المرء فيه".
وفي يونيو 1932 مرض
كفافي، وشخص مرضه على أنه سرطان في الحنجرة، وأقنعه صديقه المقرب سينوبولوس وأخته ريكا
بالذهاب إلى أثينا في يوليو من نفس العام، وهناك أجريت له جراحة ناجحة، ولكنه فقد صوته.
وفي أوائل 1933 انتكست
حالته ونقل إلى المستشفي اليوناني بالإسكندرية حيث أمضي الشهور الأخيرة من حياته، وقد
كتب بعض المقربين منه انه قبل أيام قليلة من وفاته، وبعد رفض غاضب، تناول الخبز المقدس
والشراب حسب العقيدة الأرثوذكسية لكنه كان يشعر في نفس الوقت بوخز الضمير، وقيل أيضا
أنه، وهو في لحظات الموت، في 29 ابريل 1933، رسم دائرة على قطعة ورق بيضاء ووضع نقطة
في وسطها.