قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

الفرحة المنقوصة للشهر الفضيل

×

إن أكثر الأحاسيس ألما هي التي تعتري المغتربين بعيدا عن أوطانهم، والتي تكاد تعصف بهم عصفا، وتترك في النفس وحشة وفي القلب وجعا، وفي الأحشاء جرحا وفي الروح حنينا مقيما، هي تلك الأحاسيس المرتبطة بالاحتفالات التي لها رصيد عقائدي، والتي تُصْبَغُ فيها مصر على وجه الخصوص بصبغة فريدة، لا يُعْرَف فيها لا طائفة ولا انتماء ضيق، يتجلى ذلك أكثر ما يتجلى في عيد القيامة " شم النسيم "، الذي مر عليه القليل من الأيام، والذي له ارتباط عقائدي وثيق عند إخواننا الأقباط، وشهر رمضان والذي هو حالة خاصة فريدة عندنا - نحن المسلمين. إن الاحتفال في مصر بهاتين المناسبتين هو ما يُظْهِر تلك الحقيقة التي عملت بعض الجماعات إخفاءها، وهي حقيقة النسيج الاجتماعي الواحد لهذا الشعب العظيم، والذي يتجلى في مظاهر عدة، تأتي على رأسها هاتان المناسبتان.

إن هناك مذاق خاص لشهر رمضان المبارك، يفتقد الكثير منه، دائما، المصريون بالخارج، ويأتي هذا العام، لما يمر به العالم من احترازات نتيجة لتفشي وباء ڤيروس كورونا، ليتشارك في هذا الفقد الأليم عموم المصريين، إن لم يكن عموم المسلمين، فمن هذا الذي كان يمكن أن يجول بخاطره، أو يمر على ذهنه، أن يأتي شهر رمضان الفضيل، والمساجد لا تصدح بآي الذكر الحكيم، ولا يطرب المنشدون بالابتهالات آذان المارين في الشوارع أو الجالسين قبيل الإفطار، أو قبيل آذان الفجر، يسبحون الله ويدعونه أن يتقبل منهم، وأن يغفر لهم، وأن يرحمهم بسحائب رحمته في تلك الأيام المباركات، التي ينتظرها المسلم، في شوق عظيم، من العام إلى العام.


إن شهر رمضان المبارك يظل أحد هذه المناسبات الهامة، إن لم يكن الأهم على الإطلاق، التي يعمل المسلم فيها قدر استطاعته على الإتيان بتعاليم المولى عز وجل، وذلك في حالة روحانية هي أقرب للشفافية المطلقة، حيث يتوجه فيها المسلم بقلب خاشع، ونفس يملؤها الرجاء، وفؤاد يملؤه الشوق للخالق العظيم، ووجدان يعتريه الخوف من ضياع فرصة التقرب إلى المولى عز وجل.

إنه لا يستشعر قيمة المذاق ذي الخصوصية الفريدة، إلا هؤلاء الذين شاءت الأقدار أن يُحْرَموا منه، وهو ما يحدث هذا العام ، ليس فقط لأبناء مصر بالخارج، بل للجميع، الذين يفتقدون تلك النفحات التي تهب فتملأ النفس والقلب والوجدان، بهذه المشاعر التي تأتي من عالم روحاني، لتحملنا على أجنحة من أثير إلى عالم سماوي بهيج، في تلكم الأيام المباركات، والتي نقشتها نقشا في أعماق أعماقنا عقائدُنا وموروثاتنا الثقافية والدينية.


وإن كان الحال كذلك في شهر رمضان من كل عام، بالنسبة لأبناء مصر في الخارج، فإنه يأتي هذه السنة، بمزيد من الوجد، وكثير من الألم، وعظيم من الحنين حيث أنه يأتي والمساجد مغلقة، نتيجة للأوامر التي أصدرتها السلطات، في إطار حربها على ڤيروس كورونا والحد من انتشاره، ويأتي ومقار الجمعيات الأهلية المصرية التي كان يجتمع فيها أعضاؤها، والكثير من الأسرة المصرية في الشهر الفضيل، كما يأتي والحزن يعتصر القلوب على تلك "اللمة" التي كانت تحرص عليها الأسر المصرية بتبادل موائد الإفطار والتجمع حولها، ويأتي، ولا أمل للالتقاء بين رموز الجالية المصرية بالنمسا، محل إقامتنا، وبالخارج عموما، بالسفير عمر عامر سفير جمهورية مصر العربية وممثلها الدائم لدى المنظمات الدولي، أو غيره من السفراء المصريين، تحت سقف مبنى السفارات في ذلك الإفطار السنوي الذي يجمعهم بالبعثات الدبلوماسية المصرية.


إننا هنا نبعث برسالة إلى الأهل في الداخل تؤكد أنه مهما كان هناك في عوالم أخرى ودول غير مصرنا الحبيبة من ميزات، فإنها جميعا تتلاشى، وتصبح هي والعدم سواء بسواء، في مثل تلك المناسبات الهامة التي تجتمع فيها الأسرة، ويلتقي فيها الأصدقاء، وينعم فيها الأشقاء بحديث بعضهم البعض، أو أن تجمعهم مأدبة إفطار واحدة، أو أن يشهد مسجد العزبة أو القرية أو الحي أو المدينة صلاة التراويح، وتنطلق التكبيرات، ويصدح صوت الآذان، ذلك الذي لن يحدث في مصر هذا العام، والذي سيجعل من السهل على المقيم في أرض الوطن الحبيب، أن يستشعر تلك الفرحة المنقوصة التي يعيشها شقيقه في الخارج على مر سنوات غربته.


إننا بزفرة خارجة من أعماق ندعو المولى عز وجل أن يزيح هذه الغمة عن العالم كله، وأن يحفظ مصر وشعبها وقيادتها متمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يحرص كل عام بإرسال برقية تهنئة لأبناء الجالية المصرية بالخارج، تظل هي التقليد الوحيد الباقي هذا العام الذي أسعد المصريين بهذه المناسب المباركة.