شهر رمضان فرصة سنوية عظيمة لا تتكرر الا مرة كل عام لتطهير النفس من الذنوب والمعاصي، وتخليصها من التقصير في العبادات والطاعات.. فرصة جليلة لكسب الحسنات وأجر عظيم يعوض المسلم فيه ما فاته من ثواب الأعمال الصالحة في باقي شهور العام.
ومع حلول هذا الشهر الكريم، والضيف المبارك ينبغي معرفة أحكام الصيام حتى يكون المؤمن على دراية بما يحتاج إليه من المسائل، وخاصة في مثل هذه الأيام المباركة.
وهو شهر كما يصفه بعض أهل العلم بأنه أشبه بالسوق الذي يقام كل عام يربح فيه من ربح ويخسر فيه من خسر،هذه عشر نصائح وقواعد من المهم العمل بها قبل رمضان استعدادًا للشهر الكريم إذا أردت أن تكون من الفائزين:
1- رمضان الأطول والأجر الأعظم من الله:
يتردد في الإعلام هذه الأيام كثيرا أن المسلمين خاصة من يعيشون في الغرب سيصومون هذا الشهر الكريم وأن ساعات الصيام تتراوح فيه ما بين 17 ساعة و 18 ساعة ، علاوة على ذلك أنه في فصل الصيف، حيث اشتداد الحرارة أغلب ساعات اليوم وغيرها من العوامل المرتبطة بمشقة الصيام،ولا أريد أن يظهر الأمر بالنسبة لنا نحن المسلمين على أن الصيام مأساة وتعذيب للنفس ونسمع كلمات المواساة والتعجب تصومون كل هذا ؟ كيف ذلك ؟ الله يرحمكم …مساكين ……الخ،بل سنصوم رمضان كما صمنا رمضان العام الماضي وما قبله والله هو الذي أمر وهو سبحانه الموفق والمعين فإذا قالوا لنا هو الأطول نقول وهو الأعظم في الأجر إن شاء الله وندعو بدعاء النبي الذي علمه لمعاذ بن جبل (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ).
2- الصيام يرفع الهمة لا يضعفها
والملفت للنظر هنا أن الكثير من المسلمين في الغرب بفضل الله عالي الهمة يصومون النهار وفق حياتهم الاعتيادية كباقي أيام السنة، لا يتغير أي شيء في حياتهم سواء من يعملون أو من يدرسون يجد أحدهم نفسه قادرا على تأدية واجباته وأعبائه بشكل طبيعي تمامًا وبطاقة أعلى، وبهمة أكبر.
3- نية المرء خير من عمله
وهذا ليس بحديث ولكن أثر معناه صحيح والمعنى من نوى الخير، وعمل منه مقدوره، وعجز عن اكماله، كان له أجر العامل. كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديا، الا كانوا معكم ، قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة، حبسهم العذر)، فعلينا أن نجددالنية على صيام رمضان وقيام جميع لياليه وخطط لنفسك ماذا تنوي من ختم القرآن وصلة الرحم والصدقة والذكر والدعاء وسائر الأعمال الصالحة ، فلو قدر الله وحال دون ما عزمت حائل من سفر أو مرض أو نحو ذلك كتب لك أجر ما نويت كما في الصحيحين عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اذا مرض العبد او سافر، كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم).
4- التوبة الصادقة
من أعظم نعم الله على عباده أن فتح لهم باب التوبة والإنابة، فيرجع العبد إلى ربه معترفًا بذنبه، مؤملًا في ربه، نادمًا على فعله، ليجد في قربه من ربه ما يزيل عنه وحشة الذنب، وينير له ظلام القلب، وتتحول حياته من شقاء المعصية وشؤمها، إلى نور الطاعة وبركتها،لذا خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه، فقال سبحانه: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} (النور:31)،وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه مسلم،وإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة) رواه مسلم، فكيف بغيره من المذنبين والمقصرين، قال ابن القيم رحمه الله: “فإن الذنوب تضر بالأبدان وأن ضررها بالقلب كضرر السموم في الابدان على اختلاف درجاتها في الضرر وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي …” .
فرمضان من أعظم مواسم التوبة والمغفرة وتكفير السيئات، ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، كيف وقد جعل الله صيامه وقيامه وقيام ليلة القدر على وجه الخصوص إيمانًا واحتسابًا مكفرًا لما تقدم من الذنوب؟!،والعبد يجد فيه من العون ما لا يجده في غيره، ففرص الطاعة متوفرة، والقلوب على ربها مقبلة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النار مغلقة، ودواعي الشر مضيقة، والشياطين مصفدة، وكل ذلك مما يعين المرء على التوبة والرجوع إلى الله،فلذلك، كان المحروم من ضيع هذه الفرصة، وأدرك هذا الشهر ولم يُغفر له، فاستحق الذل والإبعاد بدعاء جبريل عليه السلام وتأمين النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال جبريل: (يا محمد! من أدرك شهر رمضان فمات، ولم يُغفر له، فأُدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقال: آمين) رواه الطبراني، وقال صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يُغفر له) رواه الترمذي.
5- طهارة القلب
شهر رمضان شهر خير وبركة وإحسان، وهو فرصة عظيمة لتطهير القلوب من أدران الحسد والبغضاء، والكراهية والشحناء،وهو فرصة لوصل أرحام قطعت، وزيارة إخوان هجروا، فهومناسبة جليلة لإزالة أسباب الخلاف والنزاع بين المتخاصمين، ووضع حد للمتهاجرين والمتقاطعين، إنه فرصة لأن تسمو فيه النفوس على حظوظها، وتتطهر فيه القلوب من أدرانها وغلوائها، فتمتد فيه الأيدي بالمصافحة بعد سنوات الانقباض، وتطرق فيه الأبواب للزيارة بعد طول الجفاء والهجران، وتجتمع فيه الأرحام بعد التفرق والانقطاع.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام سبب لإزالة ما في القلوب من الغش والدغل، فتكون النفوس أقرب ما تكون إلى الصفح والعفو والمسامحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَومُ شهرِ الصَّبرِ ، و ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ ، يُذْهِبْنَ وحَرَ الصَّدْرِ) قال الألباني في صحيح الترغيب: حسن صحيح.
6- رمضان تجارة رابحة
أوقات رمضان كلها غالية فاشغلها كلها بالطاعة ، ورمضان ميدان للعمل الصالح فسيح، وسوق للآخرة كبير، وأرباحه مضمونة، والأعمال فيه محفوظة، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» رواه الشيخان،وإنما تفتح في رمضان أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، بسبب ما يقوم به العباد من أعمال صالحة ترضي الله تعالى، فيرضى سبحانه عن أعمال الصالحين فيه،ورمضان ميدان لجملة كبيرة من الأعمال الصالحة؛ فصيامه فريضة، والصوم من أجلِّ الأعمال؛ وفيه الصدقة، وَقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: (أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ)،ومن الصدقة: إطعام الطعام، وسقي الماء، ومَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ كما جاء في الحديث،وهو شهر القرآن بنص القرآن ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ﴾ [البقرة:185] وكان جبريل عليه السلام يدارس فيه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل ليلة، مما يدل على خصوصية قراءة القرآن فيه على غيره.
ولقيام رمضان ميزة على سائر ليالي العام فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه الشيخان.
وفي رمضان ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه كما جاء في الحديث.
فكل هذه الأعمال الكبيرة بأجورها العظيمة لتدل على أن رمضان ميدان للعمل الصالح، وموسم من مواسم الله تعالى يفيض فيه على عباده من فضله ورحمته وعفوه ومغفرته، فلا يضيعه إلا ضائع، ولا يفرط فيه إلا جاهل، فاستقبلوه خير استقبال، وأروا الله تعالى فيه من أنفسكم خيرا، واعمروه بالطاعات، واجتنبوا مجالس اللهو والغفلة؛ فإنها تسرق أوقات الناس وأعمالهم، وتأكل حسناتهم كما تأكل النار الحطب.
7- قلل ساعات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي
رمضان ليس سوى شهر .. ثلاثين يومًا وليلة، ينفض بعدها الموسم ليربح فيه من ربح ويخسر فيه من خسر، فليس أهم من تدبر وقتك في رمضان، وأكثر ما يستنفذ الوقت في وقتنا الحالي هو الإنترنت خاصة بعد انتشار الهواتف الذكية وبخاصة مع إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعة الأخبار مع كثرتها وتشعب تفصيلاتها .
والوقت هو أنفس ما يملك فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان وفي مثل هذا يقول الحسن البصري يا ابن آدم، إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.
ولعلي لا أخالف الصواب إذا قلت : إن هؤلاء المضيعين لأوقاتهم على الانترنت بلا فائدة يضيعون أعمارهم هدرا ، وقد كان السلف رضي الله عنهم أحرص ما يكونون على أوقاتهم ، لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها . وكان السلف يقولون:(من علامة المقت(غضب الله) إضاعة الوقت).
ويقول الحسن البصري : أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم.
8- اختر صديقا ناصحا
فالمرء على دين خليله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأغلبنا يدخل رمضان متحمسًا فيحافظ على صلواته وأوراده في الأيام الأولى، ثم لا يلبث أن ينسى ويتراخى، والرفيق الصالح خير معين.
9- كن للخير إمامًا
شهرَ رمضانَ أرضٌ خصبةٌ لنشر الدعوةِ ، ذلكم أن القلوب في رمضان تخشع لذكر الله، وتستعد لقبول المواعظ الحسنة، وتقوى بها إرادة التوبة، وهدايةُ رجلٍ واحدٍ خيرٌ من الدنيا ، فخذ بيد من حولك نحو هذا الخير ودلهم عليه وأبشر بالأجر الجزيل من الله.
10- تعلم فقه الصيام
فرض العين من العلم هو القدر الذي يتعين على المسلم تعلمه؛ مما يصحح به عقيدته، وعبادته، ومهنته التي يعمل بها؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه ابن ماجه،وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين)، وقال ابن المبارك: إِنَّمَا طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ، أَنْ يَقَعَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ يَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمَهُ.