تصريحٌ صادم صادر عن منظمة الصحة العالمية منذ أيام، يُكاشفنا بأن "فيروس كورونا سيبقى معنا لوقت طويل"، والتصريحُ الذي استهدف دعوة البلدان للتريث في خطوة تخفيف الإجراءات الاحترازية، يأتي في توقيت حرج، يشهدُ قلق الحُكومات بشأن الأضرار الاقتصادية التي نجمت عن الأزمة، وشُعور الضجر من جانب المواطنين وأصحاب الأعمال، بعد طول فترة الإجراءات الوقائية، وقرارات تقييد الحركة والتجول في العديد من البلدان.
تصريح المنظمة ليس الأول الذي يُوصد بوادر الأمل في انقضاء الأزمة عما قريب، فهل تخشى مُنظمة الصحة العالمية انتهاء الجائحة؟
يطرحُ هذا السؤال نفسه في ظل إصرار مُنظمة الصحة العالمية على الاكتفاء بالنظرة التشاؤمية، والبقاء على عهدها في عدم تقديم حلول، بحيث لا يتجاوز ما يصدر عنها بضع إجراءات وقواعد ونصائح عامة، لا تُؤدي إلى وقف وباء مثل كورونا مثلًا، أو كبح جماحه، وإنما التكيف والتعامل مع، وهو المردود الذي لا يتناسب مع مُقدرات هذه المنظمة الدولية والتبرعات التي تقدمها لها البلدان لتُقيم مؤتمرات في فنادق فارهة دون تقديم روشتات ناجعة، أو يتقاضى مسئولوها مرتبات باهظة، دون أن يستفيد منهم العالم بالقدر الذي يجنبه مخاطر فاجعة طبية قبل أن يذوق ويلاتها.
والمُنظمة التي يواجه القائمون عليها تُهما عديدة، قد ترى أنه من صالحها استمرار الأزمة لوقت أطول، وعدم توقف حالة الترقب، حيثُ إن انقضائها يعني البدء في كشف حساب لإدارتها لهذه الأزمة لنرى كيف يمكن للقائمين عليها الرد على تساؤلات تثار حول محاباة الصين وعدم الشفافية في الإفصاح عن منشأ الفيروس، أو الأعداد الحقيقية هُناك، فضلًا عن تأخر الاستجابة والتحرك، حيث تلقت مُنظمة الصحة العالمية لأول مرة بلاغ الصين بانتشار فيروس كورونا المستجد يوم 31 ديسمبر 2019، ليتأخر وصول مسئولي المنظمة إلى ووهان حتى يوم 20 يناير 2020، بعد انتشار الفيروس في ثلاث دول أخرى، وهذه التصرفات تلقي على عاتق المنظمة تُهم تتعلق بالتراخي وسوء التقدير وعدم الإدارة الرشيدة، وربما تصل الاتهامات الى الفساد على النحو الذي يلوح به مسئولون بالإدارة الأمريكية.
ولعل تصريح منظمة الصحة العالمية الأخير يعكسُ حالة القلق التي تزايدت لديها إثر التصاعد الدراماتيكي للموقف الأمريكي ضدها، والذي بلغ ذروته بقرار الرئيس دونالد ترامب، النظر في وقف التمويل عن المنظمة، بما يخصم من موازنتها ما لا يقل عن 500 مليون دولار تتلقاها من الولايات المتحدة كل عام، الرقم الذي يمثل نحو 15% من إجمالي موازنة منظمة الصحة العالمية، التي تصل لنحو 6 مليارات دولار، وهذا القرار إذا تحقق سيجعل العديد من برامج المنظمة الصحية في مهب الريح، ويثير غموضًا حول مستقبل عملها.
وتظلُ مُنظمة الصحة العالمية محظوظة حتى الآن بالعدد الأكبر من رؤساء الحُكومات والدول الذين يرون أن الحكمة تقتضي التوقف عن التلويح بفتح تحقيق حول أسلوب إدارة المُنظمة لأزمة فيروس كورونا، بفرض أن هذه المرحلة الحاسمة في مواجهة الوباء تتطلب "التكاتف والمساندة"، مع تأجيل تقييم جوانب المرحلة وأبعادها عقب انحسار هذه الجائحة، إلا أن الموقف الأمريكي أربك حسابات المنظمة على النحو الذي دفعها لإطلاق تقديرات سلبية غير محسوبة حول مستقبل مظلم لهذا الوباء.
منظمة الصحة العالمية شريك أصيل في الإدارة الدولية لهذا الوباء القاتل الذي أصاب حتى الآن ما يقارب ٣ ملايين شخص، وحصد أرواح نحو ٢٠٠ ألف إنسان، سواء كان دورها استشاريًا أم تنفيذيًا، فخطط البلدان لمواجهة الوباء تسير بأي حال في ضوء إرشاداتها، ولعل انحسار هذه الموجة الوبائية سيفرض واقعًا جديدًا لدور وتأثير هذه المنظمة، التي يشوب إدارتها الكثير من اللغط، بدأ منذ ثلاث سنوات بالتزامن مع وصول السياسي الإثيوبي تيدروس غيبريسوس لمنصب مدير المنظمة.