أفهم من الإجراءات الاحترازية التى تتخذها الحكومة المصرية فى مواجهة انتشار فيروس كورونا حماية المواطنين وصون أرواحهم، لكن حينما أتابع تطبيقات وزارة العدل ووزارة الشباب فى أمر متصل ومشترك يتعلق بآلية تنفيذ أحكام القضاء برؤية أطفال الشقاق داخل مراكز الشباب، والتى جمدت تماما مع ظهور كورونا، أتوقف قليلا أمام تصورات للإجراءات البديلة المحتملة.
أقول هذا؛ وأنا أقرأ إنذارا قضائيا لأحد الآباء المضارين من قانون الأحوال الشخصية ككل؛ وقانون الرؤية بشكل خاص؛ وهو أحمد عز المتحدث باسم الآباء المضارين وعائلاتهم، وأطالع تطبيقات وزارات لقرار رئيس الوزراء بشأن احتياطات السلامة لحماية المواطنين من انتشار فيروس كورونا.
ففى المادة السابعة من قرار رئيس الوزراء رقم ٨٥٢ لسنة ٢٠٢٠ إشارة واضحة لإيقاف الأنشطة ومنع التجمعات بعدد من الأماكن بينها مراكز الشباب التى تنفذ بها أحكام قضائية برؤية أطفال الشقاق لآبائهم وأمهاتهم، ومع مرونة القرار فيما يتعلق بصلاحية كل وزير بشأن تسيير العمل بالمرافق التابعة لوزارته؛ وجدنا مرافق تعمل إداريا بشكل جزئي وأخرى تتوقف فيها التجمعات وثالثة تغلق تماما، دون فهم لفلسفة القائم على حقيبة العمل.
فى المقابل؛ لم يظهر لى من تصورات الوزارة بديل بشأن تنفيذ أحكام قضائية صدرت؛ وطبقت بقرار وزاري على غير رضاء الكثير من المستفيدين بها؛ وهى أحكام الرؤية التى عادة ما كانت تنفذ أيام العطلات الرسمية الأسبوعية داخل مراكز عامة وحدائق بما يخالف الطبيعة الاجتماعية لعلاقات الأطفال بعائلاتهم، ومع ذلك لم نجد إبداعا أو استحداثا لتطبيق ملائم لاتصال الصغار بذويهم بعد إقرار الإجراءات الاحترازية المواجهة لانتشار كورونا، وربما بينها إقرار رؤية الأطفال لدى أهليتهم وداخل بيوت آبائهم، وهو إجراء يلزمه تعديل قرار الوزير المختص، وتعديل تشريعي يسمح للصغير بحقه فى الرعاية المشتركة والإتصال الدائم المباشر بأبويه ولو كانا منفصلين.
قبل شهور؛ وقبل ظهور أزمة كورونا؛ تقدم عدد من النواب أبرزهم الدكتور محمد فؤاد والمحامى خالد أبو طالب؛ بطلبات برغبات فى إصدار وزير العدل بين كتبه الدورية ما يتيح لقضاة محاكم الأسرة الاعتداد رسميا و"بشكل غير تقديري"؛ بآلية سداد النفقة للأطفال والمطلقات عبر الدفع البريدي، لكن لم تنجح مساع برلمانية فى تحقيق هذا الهدف الذي يمنع تكدس المواطنين فى طوابير داخل دواوين المحاكم لسداد رسوم التقاضي وإيداع المبالغ المقضي بها شهريا بأيدي المحضرين القابعين فى مكاتب ضيقة للغاية.
هل من المعقول أن تكون الفجوة بين القانون والقرار والتطبيق أوسع حينما يتصل الأمر بشأن التقاضي وتنفيذ الأحكام، بينما الأكثر قدرة على قراءة المشهد هم أهل القانون والقضاء ذاتهم؟ أليس من بين أبناء الشقاق المحرومين من رؤية ورعاية آبائهم؛ أبناء قضاة ورجال دولة حتى نتأكد أن الأمر يتصل فى زاوية أخرى بالحالة النفسية والاجتماعية للمصريين عموما؟.
ثم كيف تضمن ألا تنتهى حياة طفل أو أب أو أم وسط شقاق يعززه تجاهل مشرع تعديل القانون؛ والتفات وزارة عن تغيير قرار؛ ونحن أمام وباء وابتلاء لا يمكن أمامه التنبؤ بمستقبل أو رؤية، خاصة إذا ما كانت الحالة الإجرائية غير متصلة بالطبيعة البشرية ذاتها؟.
صراحة؛ نحن أمام محاولات غير ملموسة لإعادة إنتاج مشاهد مرفوضة كرفض جهلة دفن طبيبة من نساء قريتهم أصيبت بالفيروس، حينما تشجع قرارات سلبية بشكل غير مباشر على توسعة الفجوة والشقاق بين أبناء وآباء وأمهات، بينما نحن أمام علاقات اجتماعية؛ لها بعد تشريعي مؤيد؛ لم يهتز أحد طرفيها لما يفسره كثيرون بإبتلاء يقترب من علامات الساعة، فلا صوت رسمي ينادى بتجاوز هذا الصراع المجتمعي المؤجج فى ظروف لا تحتملها الناس بالتأكيد.
"كورونا" يصيب الأجساد ويوقف الأعمار بقرار سماوي متى أراد الله لإنسان انتهاء حياته، لكن فيروسات اجتماعية أخطر تدمر الحالة النفسية للضحايا قبل رحيلهم، ربما أخطرها ما يتمحور ليغلف ويحمي نفسه بقرار أو تشريع، وضرورات تحقيق "العدل" بين الناس تستلزم احتياطات سلامة أكثر عقلانية وإبداعا فى مواجهة المجهول "كورونا"؛ أو المجهول المعلوم بالضرورة من تداعيات قطع صلات الأرحام.