فعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأوقف التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية بعد أن وجه لها العديد من الإتهامات من بينها سوء إدارة أزمة كورونا والتعتيم على تفشى الوباء والفشل في تقديم معلومات شفافة حول الفيروس إضافة إلى انحياز المنظمة للصين..
كما ألمح ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو الى أن تسلل الوباء كان من أحد مختبرات مدينة ووهان حيث ظهر الفيروس لأول مرة في ديسمبر الماضي (رغم عدم وجود أدلة على ذلك) وأنه كان من الممكن تجنب 95% من الإصابات في العالم واحتواء المرض في مرحلة مبكرة..
من جهتها قالت المنظمة إنها تأسف لقرار ترامب بتعليق التمويل وأنها ستبحث عن أساليب أخرى تعوضها..
وبالطبع الصين تنفي التستر على أعداد الضحايا الذين قضوا جراء إصابتهم بفيروس كورونا وتؤكد أنها تعاملت بمهنية عالية مع هذا الملف الصحي الدقيق وشيء بديهي أن تدحض الصين الاتهام الأمريكي وتعتبره محاولة من ترامب للتهرب من المسئولية لأنه إذا ثبت أن مختبر في الصين مسئول عن نشر الفيروس سيتم مطالبة الصين بدفع كل هذه الخسائر التي تكبدها الإقتصاد العالمي لذلك هم يرفضون رفضا قاطعا الاعتراف بذلك..
بداية .. هناك العديد من الأسئلة التي تتردد بقوة وأولها هل الصين فعلًا أخفت معلومات؟ نعم من الواضح أن الصين أخفت الأمر أسابيع أو أشهرا وأسكتت الأطباء الذين تحدثوا عن الفيروس الجديد وأنه منشق من سارس كما تم اعتقال الصحفيين الذين تحدثوا عن كورونا.. ومن ثم أصبح الاعتماد على المعلومات القادمة من الصين يثير الشك والريبة ليس فقط من الجانب الأمريكي بل انضمت له فرنسا حيث تم استدعاء السفير الصيني بباريس وصرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حوار مع صحيفة فاينانشال تايمز قائلًا: (إنه من السذاجة تصديق رواية الصين لأن هناك أشياء حدثت في الخفاء لا يعرفها العالم) وكذلك ألمانيا التي قال وزير خارجيتها (هايكوماس): إن مراجعة الصين لأرقام وفيات فيروس كورونا أمر مثير للقلق وعليها تحري الشفافية بشأن نشأته).
لكن بالرغم من ذلك ليس المهم الآن كيف نشأ الفيروس ولكن المهم هو العمل على احتواء المرض لأننا أمام جدل سيطول ونظريات كثيرة وحروب تجارية بين الصين والولايات المتحدة وهو صراع جبابرة المتضرر الأكبر منه هو الدول ذات الأنظمة الصحية الهشة في افريقيا وآسيا ولا يوجد وقت لتسييس الأمور..
ثانيًا:- هل منظمة الصحة أخفقت في التعامل مع الجائحة؟ نعم أخفقت بشكل كبير في بداية الأزمة عندما أكدت أن الفيروس لا يمكن أن ينتقل بين البشر وأثنت على إجراءات الصين ولم يكن هذا هو الوقت المناسب.. ولكن هل ترامب أوقف المساعدات من أجل هذا الخلل؟ بالطبع لا فهو نفسه ظل يشيد بأداء الصين وتحكمها في الأزمة لفترة طويلة وأثنى في تغريدة له على الرئيس الصيني وقال إنه يثق فيه تمامًا أي أن إشادة المنظمة بالصين ليست فردية ثم بعد ذلك بدأت نبرته تتغير عندما أصبح الوباء في تزايد وبدأ يصف الفيروس بالفيروس الصيني أو فيروس ووهان في البداية ثم انتقل للهجوم على منظمة الصحة العالمية.
إن الأموال هي اللغة الوحيدة التي يعرفها الرئيس ترامب ولنتذكر عندما قطع التمويل عن منظمة دعم وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) رغم تصويت 171 دولة في الأمم المتحدة لصالح الأونروا.. ألم يكن هناك قرارات أخرى لعقاب المنظمة غير تعليق الدعم الأمريكي بالتأكيد مبلغ 500 مليون دولار سيترك أثر كبير على نشاط المنظمة ويعطل برامجها في محاربة كورونا وسوف يؤثر على دعم الآخرين حيث لوحت بريطانيا بوقف دعمها للمنظمة وقيمته 200 مليون دولار.. فهناك فاصل بين الانتقاد وبين تعريض حياة البشر للخطر.. فأمريكا جزء من عالم يجتاحه كورونا الذي لا يعترف بحدود ولا جنسيات ولاجوازات سفر لذلك لا يمكن الوقوف عند حدود دولة بعينها في مشكلة دولية لا بد من مقاومة الوباء في كل الدول حتى لا يصل للشواطئ الأمريكية وأن أفضل العلماء والعقول تتشارك المعلومات لمحاربة الفيروس ما فعله الرئيس الأمريكي في هذا التوقيت خطأ ليس في حق المنظمة فقط بل في حق المواطن الأمريكي أولًا.
إن الولايات المتحدة تدعي أنها تحارب الإرهاب خارج الحدود الأمريكية في العراق وأفغانستان وغيرها من الدول فلماذا لا تحارب الوباء؟...
"ترامب" للأسف الشديد يفكر بطريقة شعبوية وليس لديه استراتيجية معينة أو رؤية واقعية وقد كان لديه تقارير ومعلومات من المخابرات الأمريكية التي ارسلت له مذكرة كما ذكرت CNN الأمريكية في العام 2018 بأن مختبر ووهان غير آمن كما نبهه وزير الصحة الأمريكي مرتين ولم يستجب.
كان الرئيس ترامب حتى 22 يناير الماضي يقول إن الوضع تحت السيطرة وفي 31 يناير أثناء إلقائه خطاب انتخابي في ولاية ديترويت أكد ذلك مرة أخرى وقال كل شيء تحت السيطرة وقال للمواطنين الأمريكين عودوا إلى أعمالكم.
والآن بعد أن أصبحت أمريكا الأولى في عدد الإصابات والوفيات ووصلت حتى الآن إلى ما يقارب 739 ألف إصابة وما يقارب الـ 39 ألف حالة وفاة وتحولت نيويورك هذا المكان الدولي إلى وضع مأساوي فالمستشفيات لا تتسع للموتى والمئات يموتون في دور المسنين وفي بيوتهم فمنهم ما لا يستطيع الوصول للمشافي ومن له حظ في الحياة يتم إعطاؤه جهاز التنفس الصناعي وبدء الناس يلومون الرئيس لذلك بحث عن شماعة يعلق عليها ما حدث لأنظمته الصحية ووجد ضالته في منظمة الصحة العالمية.
إن ترامب هو الوحيد الذي يغني خارج السرب ولا يشغله سوى التطلعات السياسية حتى أنه عطل إرسال الشيكات التي ترسلها هيئة الإيرادات الداخلية لعشرات الملايين من الأمريكيين كمعونات لعدة أيام حتى يتم طباعة اسمه عليها رغم أن المواطنين يحتاجون إليها في ظل الظروف المعيشية الصعبة لمواجهة الأزمة..
أخيرًا فإن منظمة الصحة العالمية تنطلق من ميزانية تقدر بـ 4,8 مليار دولار تعتمد فيها على مساهمات الأعضاء وتبرعات المؤسسات والأفراد والولايات المتحدة هي بالطبع أكبر المساهمين على الإطلاق وهي ميزانية هزيلة جدًا لتنشط بها المنظمة في 158 دولة وهي منذ نشأتها في 7 إبريل عام 1948 أي من حوال 72 عام لم تمر باختبار صعب مثل جائحة كورونا، فأهم دروس هذه الجائحة أنه لا أحد يمكن أن يكون لديه صك أمان من الأوبئة والأمراض وأن العالم وجد نفسه لا يمتلك منظمة حقيقية لرصد الأوبئة والأمراض، فالغرب وخاصة الدول الكبرى المتقدمة كانت تنظر إلى المنظمة على أنها مجرد آلية لتوزيع مستلزمات الإغاثة هنا وهناك..
لذلك لا بد من إعادة هيكلة المنظمة وزيادة ميزانيتها وإيجاد آلية جديدة في أعقاب الكورونا لتكون أكثر استقلالية ولا تتأثر بأي دولة.