الصلاة على موتى كورونا .. أثارت صلاة الغائب على موتى كورونا العديد من التساؤلات بين المسلمين خاصة بعد ظهور عدد من حالات الوفاة جراء تفشي هذا الوباء.
وأفاد المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ أن حكم صلاة الرجل على الغائب في بيته مع أهله أمر هام منعا لانتشار وباء كورونا الجديد، مشيرا إلىأن الجنازة يُصلى عليها في المقبرة من بعض أقارب المتوفي، حيث تعد صلاتهم هذه فرض كفاية، وأما بقية أقارب الميت فيصلون في بيوتهم على ميتهم صلاة الغائب.
وعن حكم إقامة صلاة الجنازة في بيوت كثيرة بسبب تعدد معارف المتوفى وأقاربه قال : “لا حرج في الصلاة على الغائب في بيوت متعددة لكثرة أقاربه، حتى لا يحصل الاجتماع الذي ربما بسببه ينتشر هذا الوباء الخطير.
وحول سؤاله عن هل يشرع الإتيان إلى المقابر بغرض الصلاة على الجنازة التي دفنت في هذا الوقت، ولم يصلِّ عليها بعض الأقارب والمعارف، وذلك بعد ارتفاع المرض، فقال: يجوز لأقارب المتوفى أن يصلوا عليه عند قبره بعد ارتفاع هذا المرض، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله مر بقبر قد دفن ليلًا، فقال: متى دفن هذا ؟ قالوا: البارحة، قال : أفلا آذنتموني؟ قالوا: دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك، فقام، فصففنا خلفه، قال ابن عباس : وأنا فيهم فصلى عليه. ويصلى على قبر الميت بعد ارتفاع المرض ولو طالت المدة على الصحيح من أقوال العلماء لأنه لا دليل على التحديد بمدة.
من ناحية أخرى، أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أنه لا شك أن تشييع الجنائز وشهود صلاة الجنازة من فروض الكفايات إذا قام بها أي عدد كان قلَّ أو كثرَ سقط الإثم عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد على الإطلاق أثم كل من علم وكان قادرًا على القيام بالواجب الكفائي ولم يتقدم للقيام به، وأنه من المستحب في الأوقات العادية الطبيعية أداء صلاة الجنازة واتباعها مواساة لأهل المتوفى من جهة، وطلبًا للأجر والثواب من جهة أخرى.
وأضاف وزير الأوقاف في بيان له أن ديننا السمح الحنيف لم يترك بابًا من أبواب الخير إلا عمه بيسره وسماحته وجعل له من المتاح بديلًا، مما يتطلب في الظرف الراهن تقليل عدد المشيعين للمتوفى إلى الحد الأدنى الذي تتحقق به الكفاية من الأهل والأقربين، ولكل من حبسه العذر عن شهود الجنازة - ولا شك أن خشية انتقال عدوى فيروس كورونا عذر معتبر شرعًا - أن لا يحرم نفسه من الأجر والثواب، أن يصلي صلاة الغائب في بيته على من فَقَدَ ممن يُحب.
وأوضح جمعة أن من أراد الثواب العميم والأجر الجزيل فليوسع نيته بأن ينوي صلاة الغائب في بيته تطوعًا في أي وقت من اليوم مرة كل يوم على جميع من لقي ربه في هذه الأيام من مرضى فيروس كورونا أو من غيرهم ، ويجتهد لهم في الدعاء ، فيصير بذلك من صلى على كل جنازة عشرات الآلاف بل ربما عشرات الملايين من المصلين ، وفي ذلك كثير من الرحمة للميت ومواساة لأهله ، فلرب دعوة صالحة نفع الله (عز وجل) بها المتوفى ، فما بالكم بآلاف وملايين الدعوات ، ولا أحد يدري متى تأتيه المنية ، فماذا هو منتظر من دعاء الناس له وصلاتهم وترحمهم عليه ؟ و نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " ، ولا شك أن ذلك يشمل كون أخيه حيًّا أو ميتًا .
وتابع جمعة: إضافة إلى ما في الحرص على صلاة الغائب يوميًّا على كل من لقي ربه من استحضار لحجم الأزمة الحالية التي يعيشها العالم كله من جهة ، وتحقق العظة و الاعتبار من جهة أخرى .
وبدوره، قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن المُتوفَّى بفيروس كُورونا نحتسبه عند الله من الشُّهداء، له أجر شُهداء الآخرة؛ لعموم قول سيِّدنا رسول الله ﷺ: «ومَن ماتَ في الطَّاعونِ فَهوَ شَهيدٌ» [صحيح مسلم]، ويَسرِي عليه ما يسري على أموات المُسلمين من غُسل وتكفين وصلاة جِنازة.
وأضاف المركز في فتوى له، أنه عند تغسيل المُتوفَّى بفيروس كورونا يلزم شرعًا أخذ كافَّة التَّدابير الاحترازية لمنع انتقال العدوى، وارتداء مُغَسِّله الواقيات الطِّبيَّة، ويُكتَفَى بِصبِّ الماء عليه وإمراره دون تدليكه، وهو ما يحدث في المُستشفيات بالفعل من قبل المُتخصِّصين؛ وفقًا لتعليمات الطِّبِّ الوقائي في هذا الشَّأن.
وأشار إلى أن تكفين المُتوفَّى بفيروس كُورونا يكون بستر جميع بدنه بثوب سابغ، ويستحب تكفين الرَّجل في ثلاث لفائف بيض، والمرأة في خمسة أثواب (إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين) كما هو معلوم، وتلزم إحاطة الكفن بغلاف مُحكَم لا يَسمح بتسرُّب السَّوائل من جُثَّته، ثم وضعها في صُندوق مُحكَمِ الغلق، قابل للتَّنظيف والتَّطهير، وهو ما يحدث في المُستشفيات بالفعل من قِبل المتخصِّصين؛ وفقًا لتعليمات الطِّبِّ الوقائي في هذا الشَّأن.
وذكر أنه لا يُشترط المسجد لصحّة صلاة الجِنازة، وتجوز صلاتُها في المشافي، وفي الخلاء، وعلى المقابر؛ لعموم قوله ﷺ: «وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا، فأيُّما رجلٍ من أُمَّتي أدرَكَتْه الصلاةُ فلْيُصلِّ» [صحيح البخاري]، وتنعقد صلاة الجِنازة جماعةً باثنين فأكثر، ويجوز تباعد المُصلين فيها.
وأضاف، أن دفن المُتوفَّى بفيروس كُورونا -كدفن غيره- واجبٌ على المسلمين لا يسعهم تركه، وإذا قام به بعضُهم سقط الوجوبُ عن الباقين، ولا ضرر من دفن المُتوفَّى بفيروس كورونا بعد أخذ كافة الاحتياطات السابقة في أي مقابر، كما أكَّدت ذلك الجهات الطِّبية المُتخصِّصة محليًّا ودوليًّا.
وأكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أنَّه لا تجوز المُصادرة على حقِّ أهل المُتوفَّى بفيروس كورونا في دفن قريبهم في المكان المُخصَّص له، ويكفي ما ألمَّ بهم من ألمِ فراقه وعدم استطاعة رؤيته.
كما أكِّد أنَّ رفض استلام جُثَّة المُتوفَّى بفيروس كُورونا، أو اعتراض جِنازته ومنع دفنه؛ هو أمرٌ منكرٌ وسُلوكٌ محرمٌ منافٍ لحرمة الموت، ولأوامر الدّين بإكرام الإنسان، فضلًا عن أنَّه لا يليق بأصحاب المُروءة، وذوي الفضائل.
وتابع: بل إنَّ الواجب في مثل هذه الظُّروف هو مُواساة أُسر المُتوفَين، ومعاونتهم، وتقديم الدَّعم النَّفسي لهم، ودعاء الله لفقيدهم أن يتغمَّده بواسع فضله ورحمته.