قال الدكتور محمد داود، المفكر الإسلامي والأستاذ بجامعة قناة السويس، إن الله اختار من تاريخ الدعوة ومن حياة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مواقف وأحداثًا أنزل فيها قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة، وهذا لتظل العبرة والموعظة باقية دائمة، وليتعلم المسلمون الدرس إذا ما تعرضوا لمثل هذه المواقف.
وأضاف " داود"، عبر منشور له على صفحته الرسمية بموقع " فيسبوك"، أن الله- سبحانه وتعالى- أمر المسلمين بالتوجه إلى بيت المقدس ليخلصهم من بقايا تعلقهم بالبيت الحرام، حيث كان فيه وقتئذ أصنام: (هُبل فوق الكعبة، وإساف ونائلة على الصفا والمروة، وأصنام حول الكعبة).
وأوضحالمفكر الإسلاميأن المسلمون ظلموا قرابة سبعة عشر شهرًا يتوجهون فى صلاتهم إلى بيت المقدس، وخلال هذه الفترة لم تنقطع حملة التشكيك وصناعة الزيف عن المسلمين، قائلين: كيف تتبعون قِبلتنا ولا تتبعون مِلتنا؟.
وتابع أنه كان ذلك يعز على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؛ فكان يلح فى الدعاء لربه أن يجعل قبلة المسلمين متميزة عن اليهود ويتمنى النبى - صلى الله عليه وسلم- أن تكون قبلة المسلمين إلى الكعبة البهية قبلة أبى الأنبياء إبراهيم .
وواصل الدكتور محمد داود أن قُبيل تحويل القبلة أنزل الله على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ (البقرة: 142).
وأكمل: وذلك ليهيِّئ نفوس المسلمين إلى معركة فكرية قادمة إذا ما استجاب الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم- وتم تحويل القبلة، وليكشف عن طبائع اليهود التى لا تنقطع عن السفسطة والجِدال بالباطل.
وأردف أن الله - عز وجل- لقن النبى والمسلمين حجتهم التى تعتمد الدليل العقلى، قال -تعالى- : ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ (البقرة: 142).
وأوضح أن المسلمون لا يعظمون الأشياء ولا الجهات ولا الأماكن لذاتها وإنما التعظيم لأمر الله تعالى، الله أمرنا أن نتوجه إلى بيت المقدس فتوجهنا - ثم أمرنا أن نتوجه إلى البيت الحرام فتوجهنا؛ فالمؤمن يُعظم أمر الله تعالى.
ونوه أن الله - تبارك وتعالى-امتن باستجابة دعاء النبى -صلى الله عليه وسلم- بتحويل القبلة، قال- عز وجل- ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ (البقرة: 144).
وأشار أنه تمضى بنا الآيات لتكشف حملة اليهود لما تحولت القبلة، حيث قالوا: «إن عبادتكم إلى بيت المقدس أصبحت باطلة بإلغاء قِبلة بيت المقدس وكان البيان الربانى بالحجة البالغة، بأن المسلمين كانوا يتعبدون لله وليس لبيت المقدس، ﴿ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة: 143).
وأفاد أن الآيات الكريمة تمضي بنا أيضًا لتكشف للمسلمين خاصة وللبشرية عامة عن حِكم ربانية من وراء تحويل القبلة، ويمكن إجمالها فيما يأتى:
1- تحقيق رجاء سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وإلى ذلك تشير الآية : {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }، [البقرة: 144]
2- الدلالة على صدق نبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم-؛ حيث أخبر الله عن قول السفهاءقبل أن يقولوه ، وكان بوسعهم أن لا يقولوه ؛ لكنهم قالوه ، وصدق الله ، وصدق القرآن ، وصدقت نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وإلى ذلك تشير الآية : {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }، [البقرة: 142].
3- تمييز المنافق من المؤمن ، وإلى ذلك تشير الآية : {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }، [البقرة: 143].
4- كشف الدافع وراء إنكار اليهود للنبى - صلى الله عليه وسلم- وعدم الإيمان به هو الحسد ؛ وإلى ذلك تشير الآية الكريمة : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }، [البقرة: 90].
5- انقطاع حجة اليهود والمشككين فى نبوة النبى صلى الله عليه وسلم ، وإلى ذلك تشير الآية: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ }، [البقرة: 150] ؛ ولأن أهل الكتاب كانوا يعرفون من كتبهم أن النبى الخاتم من ولد اسماعيل و يكون على قبلته وقبلة أبيه إبراهيم فلما كان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة الشريفة تأكد لهم بكل سبيل أنه النبى الخاتم ، وانقطعت حجتهم فى التشكيك فى صدق نبوة النبى محمد صلى الله عليه وسلم .
6- تمام النعمة باستقلال القبلة للمسلمين ، وإلى ذلك تشير الآية : {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ }، [البقرة: 150]؛ أى تمت النعمة عليكم باستقلال قبلتكم فى بيت ربكم الذى بناه جدكم إبراهيم وبلسان عربى للنبى ولد اسماعيل .
7- الثبات على الحق، وإلى ذلك تشير الآية : {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }، [البقرة: 150]؛ أى إلى الثبات على الحق والمداومة عليه لتكونوا قدوة وإمامًا للناس أجمعين.