فضل كفالة اليتيم ..حثّ الإسلام على كفالة اليتيم والتوصية به، وبالمحافظة على ماله حتى يبلغ رشده، لذلك ذكر الله -تعالى- اليتيم في آياتٍ كثيرةٍ كلها توصي به؛ لتعويضه عن اليُتم الحاصل له، منها قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ).
وقد أوصى الله -تعالى- بهم في هذه الآية وشملهم بالإحسان المأمور به للوالدين والأرحام والمساكين، وأمر بالإنفاق عليهم في آياتٍ أخرى، وجعل من صفات المؤمنين أنهم يحبّون اليتامى ويطعمونهم، قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا).
وقد حذّر الله -تعالى- من الاقتراب من مال اليتيم في قوله تعالى: (وَلا تَقرَبوا مالَ اليَتيمِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ)، فدل تقييده بالتي هي أحسن على جواز الاقتراب من مال اليتيم فقط لأجل تنميته واستثماره.
فضل كفالة اليتيم
ينال كافل اليتيم فضلًا عظيمًا وبركةً وخيرًا في الدنيا قبل الآخرة، وفيما يأتي ذكر بعض تلك الفضائل:
مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم: فكافل اليتيم ينال شرف مصاحبة الرسول في الجنة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (وَأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا).
الحصول على أجر الصدقة والصلة: فكافل اليتيم يحصل على أجر الصدقة والصلة إن كان هذا اليتيم قريبًا له.
بناء مجتمعٍ سليمٍ: حيث تدل كفالة اليتيم على الفطرة السليمة والطبع النقي لدى الكافل، كما تعمل على نشر روح المحبة والود وبناء مجتمعٍ سليمٍ خالٍ من الحقد والكراهية.
ترقيق القلب: فكفالة اليتيم من أسباب تحقيق رقة القلب وإزالة القسوة منه.
محبة رسول الله: فتدلّ كفالة اليتيم على حبّ الكافل للرسول -عليه الصلاة والسلام-.
تطهير المال: فكفالة اليتيم من الأسباب التي ينال بها الكافل البركة والخير فيي ماله.
دليل على كرم الأخلاق: حيث إنها من الأخلاق التي حثّ عليها الإسلام ومدح وأثنى على أهلها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ).
البركة وزيادة الرزق: فينال كافل اليتيم البركة في حياته والزيادة في رزقه.
أداء الخير والمعروف: فهي من أعظم وأجلّ أعمال البر التي رغّبت بها الشريعة. النجاة يوم القيامة: جعل الله -سبحانه- كفالة اليتيم من أسباب الوقاية والنجاة من أهوال ومصاعب يوم القيامة، قال تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).
اقرأ أيضاً:
في ذكري الاحتفال به..هل مال اليتيم عليه زكاة؟ اعرف حكم الشرع
هل الاحتفال بيوم اليتيم في أول جمعة من أبريل بدعة ؟
تعريف اليتيم وكفالته
يُقصد باليتيم في اللغة الفرد من الشيء، كما يُراد به الشيء الذي ليس له نظيرٌ، ويطلق على الانفراد بسبب فقد الأب، والتأنيث منه يتيمةٌ، ويُجمع على أيتام ويتامى، أمّا في الاصطلاح فيطلق لفظ اليتيم على من مات والده وهو دون سنّ البلوغ لقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يُتْمَ بعد احتلامٍ)، وكذلك يطلق على من فقد أمه وأباه ويقال إنّه يتيم الأبوين، كالرسول -صلّى الله عليه وسلّم-.
وقد أخبر الله -تعالى- عن يُتم نبيّه ورعايته له وتكفيله للمحبين من أقاربه كجدّه وعمه في قوله: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)، ثمّ أوصاه في نفس السورة باليتيم ورعايته ومحبته بعد أن ذكّره بحاله ورعايته له سبحانه، فقال تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ).
تعريف كفالة اليتيم
يقصد بكفالة اليتيم ضمّه والإنفاق عليه والقيام بمصالحه ورعايته بتأمين المأكل والملبس له، واستثمار ماله إن كان له، والإنفاق عليه من مال الكفيل إن لم يكن له؛ طلبًا لرضى الله -تعالى-..
حقوق اليتيم
تترتب عدّة حقوق على كافل اليتيم يجب أن يؤدّيها لليتيم الذي كفله والسبب في ذلك أنّه يتمه وصغره، وعدم وجود من يقوم بمصالحه، كما لا يستطيع أن يقوم بها بنفسه، ومن تلك الحقوق:
لا يجوز لكافل اليتيم قهر اليتيم بسبّه أو شتمه أو إيذائه أو دفعه بعنفٍ، وقد عدّ القرآن الكريم تلك التصرفات من أسوأ السلوكات بعد التكذيب بالدين، قال تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) ، ولا يجوز عدم مخالطته خوفًا من إيذائه بل لا بدّ من مخالطته على وجه الإصلاح والتقويم.
حثّ الإسلام على الإحسان لليتيم والتلطّف معه، وحذّر من الإساءة إليه أو احتقاره، فقال تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)؛ وبذلك لا يشعر اليتيم بأنّه أقلّ من غيره مكانةً ومنزلةً، وبالتالي ينشأ فردًا صالحًا في المجتمع.
يجب المحافظه على مال اليتيم، ولا يجوز خلطها بأموال كافل اليتيم بهدف الأخذ منها أو إعطائه الرديء منها وأخذ الجيد.
لا يجوز أكل مال اليتيم، بل هي معصيةٌ من الكبائر ومن السبع الموبقات التي حذّر الإسلام منها: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ).
يجب المحافظة على حقّ اليتيم في نصيبه من الميراث، ورعايته ورعاية ماله إلى أن يبلغ.
يجب على كافل اليتيم الإحسان إلى اليتيم، ومن الجدير بالذكر أنّ وجوه الإحسان لليتيم لا تعني ترك تأديبه وعدم نهيه عن الإتيان بالأمور السيئة، وإنّما المقياس في ذلك أن يُعامل الكافل اليتيم كما يُعامل ولده، ويُذكر من وجوه الإحسان:
إكرامه في الطعام بكميةٍ تكفيه لنمو جسده، وذلك من أعظم الأجور الباقيه عند الله -تعالى-.
توفير المسكن المناسب له؛ إمّا ببناء منزلٍ له، أو دفع إيجار منزله، أو بناء دُورٍ لرعاية الأيتام وكفالتهم.
تعليمه العلم النافع.
تربيته تربيةً صالحةً، وإبعاده عن رفقاء السوء ومسبّبات الفساد المختلفة.
دعمه نفسيًا وتعويضه عن الحنان الذي فقده بفقد والده. حفظ ماله، وإحسان التصرّف به، وعدم الاعتداء عليه؛ لصغره وعدم قدرته على الدفاع عن حقه.
منح الثقة بالنفس لليتيم إضافةً إلى الحبّ والمودة، ومن صور ذلك إعطاؤه فرصةً في إيجاد الحلّ المناسب لأحد المشاكل بالتشاور والتناصح.
تربية اليتيم على العقيدة الصحيحة السليمة وعلى الإيمان بالله وبيان قدرته في وعظمته بسرد القصص التي تبيّن ذلك، وجعل قدوةً صالحةً له في حياته.
إدخال السرور والسعادة إلى قلبه، والسعي إلى تحقيق ذلك بأي وسيلةٍ ممكنةٍ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ).
مدح اليتيم وتحفيزه وتعزيزه على أداء الأعمال الموكلة إليه، وعدم احتقاره أو التقليل من شأنه، وترغيبه بالاستمرار والمداومة على إنجاز الأعمال وإتقانها.
التواضع لليتيم وعدم التعالي عليه بأي أمرٍ من الأمور، والتعامل معه بلينٍ وحُسنٍ.
الإصلاح والتوجيه والتأديب بطرقٍ غير مباشرةٍ، مع الحرص على الحكمة والإحسان في الإصلاح، وتجنّب الزجر أو التوبيخ.
تتعدّد أنواع كفالة اليتيم وصوره، وهي:
الصورة الأولى: أن يضمّ الكافل اليتيم إلى أسرته ويعيش معهم، فينفق عليه ويربّيه، وهذه أكمل الصور وأولاها وأفضلها، ويُطلق عليها الكفالة التامة، فيكون كافل اليتيم مهتمًا بكافّة أموره من طعامٍ ولباسٍ وتربيةٍ وغيرها من الأمور.
الصورة الثانية: أن يدفع الكافل لليتيم مبلغًا من المال يكفيه لسدّ حاجاته من الطعام واللباس والتعليم وغيرها، دون أن يضمّه إليه، ويعتبر كافلًا له.
الصورة الثالثة: أن يساهم الكافل بدفع بعض المال لليتيم الخاص بالإنفاق عليه ورعايته، ولا تعتبر هذه الصورة كفالةٌ تامةٌ إلّا أنّ صاحبها له عظيم الأجر والثواب.
اقرأ أيضا:
هل صحيح أن قيام الساعة سيكون يوم الجمعة.. معلومات لا يعرفها الكثيرون
آفة منتشرة بين الناس من علامات الساعة
الفرق بين كفالة اليتيم وتبنّيه
تعدّ كفالة اليتيم من الأمور المستحبة التي دعى إليها الإسلام، أمّا التبنّي فهو من الأمور المحرّمة التي نهى عنها الإسلام، وبيان الفرق بينهما فيما يأتي:
التبنّي: من أفعال الجاهلية التي استمرت إلى بداية أمر الإسلام إلى أن ورد تحريمها، حيث كان المتبنّي يجعل اليتيم كأبنائه الذين من صلبه، ويُدْعى باسمه، ويُحِل له محارمه، وقد تبنّى النبي -عليه الصلاة والسلام- زيد بن حارثة وكان يُدعى زيد بن محمد إلى أن حرّم الإسلام ذلك بنصّ القرآن الكريم، قال تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)، كما تزوّج النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من السيدة زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد بن حارثة دلالةً على تحريم التبنّي وعدم الحرج من الزواج بزوجات الأبناء من التبنّي، وتكمن الحكم من تحريم التبنّي في العديد من الأمور، يُذكر منها أنّه:
من أسباب ضياع الأنساب، كما أنّ فيه تحريمٌ لما أحلّ الله وتحليلٌ لما حرّم.
يحلّل فيه إلحاق النسب بغير الأب الحقيقي، وذلك ممّا حرّمه الله -تعالى-.
يحرّم فيه زواج اليتيم من بنات المتبنّي، وذلك فيه تحريمٌ لما أحلّ الله -سبحانه-.
يُباح فيه التوارث بين المتبني واليتيم، وذلك فيه إباحةٌ لما حرّم الله؛ لأنّ الميراث من حقّ الأبناء الصُلبيّين، وقد يخلق التوارث بين الكافل والمتبنّي البغضاء والشحناء بين اليتيم وأبناء المتبني.
أما كفالة اليتيم: فتخلو من جميع المحذورات السابقة؛ لأنّ الكافل يجعل اليتيم في بيته ويتكفّل به دون أن ينسبه إلى نفسه، ولا يُحل له الحرام، ولا يُحرّم عليه الحلال، فلا تقاس كفالة اليتيم التي حث عليها الإسلام ورغّب بها ووعد صاحبها بمرافقة النبي في الجنة بالتبني المحرّم شرعًا.