الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انتصارات وهمية


دمرت قوات الدفاع الجوي السعودي صاروخين باليستيين أطلقتهما ميليشيا الحوثي ليل السبت الماضي باتجاه العاصمة الرياض ومدينة جازان في جنوب المملكة العربية السعودية كما تعهدت قوات التحالف العربي بتدمير القدرات النوعية الحوثية وتحييد المناطق المدنية عن خطرها.


وقد لاقي الهجوم إدانات واسعة وتضامنا إقليميا ودوليا مع السعودية من مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي والبرلمان العربي وأيضًا من البحرين والأردن ومصر والكويت وأفغانستان.


كذلك أدانت السفارة الأمريكية في الرياض وقال السفير (جون أبي زيد) على تويتر إن البعثة الأمريكية تدين بشدة الهجمات التي نفذها الحوثيون ضد أهداف مدنية في السعودية فبينما يركز العالم على مكافحة وباء كورونا وإنقاذ الأرواح ركز الحوثيون على القيام بعمل قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني.


وبعيدًا عن كلام السفير الأمريكي فبكل تأكيد هذه العمليات الهجومية التي تتجاوز نظام العمليات العسكرية في اليمن وتستهدف ضرب العمق السعودي هو تصعيد بإيعاز من إيران فالطرف الحوثي لا يمتلك صواريخ باليستية إنما هي صواريخ إيرانية تم تدريب الحوثيين على تركيبها واستخدامها... هذا الهجوم هو الأول من نوعه الذي تتعرض له السعودية منذ أن أعلن الحوثيون تعليق ضرباتهم ضد المملكة قبل ستة أشهر بعدما تبنوا كذبًا هجوما غير مسبوق على منشأة أرامكو النفطية في ستبمر الماضي.


والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة لماذا هذا التصعيد الآن وفي هذا التوقيت بالذات؟
أولًا إيران تسعى من خلال الحوثيين لتسجيل انتصارات دعائية وإلى سياسة الهروب إلى انتصارات وهمية وهذه السياسة لن تجدي نفعًا وإن كان الغرض منها هو تعزيز موقف جماعة الحوثي في التحاور والجلوس على طاولة الحوار... فهذه الصواريخ رغم ميزتها الاستراتيجية الكبيرة فهي عالية القيمة وتصل إلى أي منطقة إلا أنها لم تصل إلى الرياض أو غيرها لأن الدفاعات الجوية السعودية دمرتها في الجو.


ثانيًا تحاول إيران استغلال الظرف الصحي الطارئ الذي ينشغل به العالم كله الآن وهو تفشي فيروس كورونا لتقول أنها موجودة في اليمن وبقوة وبالرغم من أن إيران نفسها تعاني من تفشي الفيروس وتعاني تدهورا اقتصاديا إلا أنها لن تسمح لميليشيا الحوثي بتطبيق هدنة إنسانية أو القبول بوقف إطلاق النار وخفض التصعيد والاندماج مع الحكومة اليمنية دون الاستفادة وعودة تصدير نفطها ولذلك تسعى لنقل المعركة إلى عمق الخليج.


إن النظام الإيراني يستخدم هذه الميليشيا في صياغة التطورات السياسية في اليمن مع تقليل التكاليف المحتملة لإيران إلى أدنى حد..


اللافت أن 150 صاروخا باليستيا أطلقه الحوثيون على الأراضي السعودية منذ بدء الهجوم في 2015 والأمم المتحدة تدين فقط دون اتخاذ خطوات فعلية ضد الأطراف المعتدية فكالعادة أدان المبعوث الأممي لليمن (مارتن جريفيث) الهجمات وقال أنها غير قانونية ومستهجنة فهي تمس المدنيين أو الأهداف المدنية بدون تمييز وأن هذا التصعيد الأخير يتعارض مع ما أعلنه جميع الأطراف المنخرطة في النزاع من التزام بالعمل على وقف إطلاق النار وأضاف: مازلنا نأمل في أن يأتي جميع الأطراف المنخرطة في النزاع إلى الطاولة ويضعون اليمن ومصلحته في المقام الأول.


والحقيقة أن بعثة الأمم المتحدة فشلت في التوسط بين الحكومة اليمنية والحوثيين لعدم امتلاك الميليشيا الحوثية الإرادة أو القرار في إنهاء الأزمة فهي تطبق استراتيجية إيران بالتزييف والمماطلة لتعميق معاناة الشعب اليمني فمثلًا أين قرار مجلس الأمن الدولي (2216) الصادر في أبريل 2015 الذي يعترف بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي ويطالب الحوثيين بالتخلي عن المناطق التي سيطروا عليها وتسليم السلاح الذي أخذوه أثناء السيطرة على صنعاء هذا القرار واقعيًا لم يعد موجودا ولا يمكن تطبيقه؟


وماذا عن اتفاق السويد الموقع في العام 2018؟
وبالرغم من ذلك لا بد من الحفاظ على دور للأمم المتحدة لأن أي محاولة لإفشال هذا الدور دون إرساء الأساس لحل سياسي مستدام ستنتهي إلى الهاوية.


وقبل الهجوم بثلاثة أيام فقط كان هناك عرض قدمه عبد الملك الحوثي في خطاب تليفزيوني يعرض فيه استعداد ميليشياته للإفراج عن أحد الطيارين السعوديين الأسرى لديه وأربعة من الضباط والجنود مقابل إفراج السعودية عن المعتقلين لديها من حركة حماس وبالطبع رحبت حركة حماس بهذا العرض واعتبرته مساندة للمقاومة الفلسطينية! ولن أتحدث بالطبع عن علاقة الثلاثي حماس إيران الحوثيين فهي علاقات تظهر للعلن ولا ينكرها أصحابها بل يفخرون بها.. ولن أقول أن هذا العرض جاء بأوامر إيرانية لأن هذا شيء بديهي ولا يحتاج إلى ذكاء..


ولكن سأتحدث عن هذا المدعو عبد الملك الحوثي الذي يلقب بالزعيم الثوري وهو في واقع الأمر شاب بدوي يتلعثم في كلماته حائر في نظرات عينيه يلعب دورًا أكبر منه بكثير ويتصور أنه بميليشياته قد تحول إلى لاعب إقليمي فيقدم هذا العرض في خطوة استعراضية..


فأغلب الظن أن المعتقلين لدى المملكة العربية السعودية تم اعتقالهم لأسباب تتعلق بالأمن الوطني السعودي وهو حق سيادي لكل دولة في اتخاذ ما تراه من إجراءات وهو بعيد عن أي غرض سياسي وإذا كانت حماس يُفترض أنها حركة مقاومة في غزة فليس من المفترض أن تكون هناك حركة مقاومة في الرياض.. أما عملية تبادل الأسرى فهي تتم وفقًا لقواعد الأمم المتحدة وليس وفقًا للاختيارات الإيرانية فالحوثيون لا يلعبون دورًا لصالح الشعب الفلسطيني الشقيق إنما يلعبون دورًا لصالح إيران والقدس ليست الهدف لأن الصراع هو على أرض اليمن الشقيق الدولة المنكوبة.


وكان الأولى التركيز على الشعب اليمني ومصلحته لأن اليمن ليس لديه القدرة على مجابهة فيروس كورونا فالوضع الإنساني سيئ بالفعل والمفترض منع المزيد من التدهور..


إن اليمن الآن يتنازعه ثلاث قوى... وما يفعله الحوثيون بدون أدنى شك سوف يؤدي إلى إطالة أمد الصراع وليس الوصول إلى حل سياسي بالرغم من أن الشعب اليمني يحتاج إلى الأمل بعد أن أدخلته الحرب في دوامة الكوارث الإنسانية..

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط