دعك مما تشهده المهنة من أزمات يحياها الصحفيون منذ عقود؛ لم تخل حياتهم فيها من أزمات وتقلبات، وتذكر فقط من عايشت ابتساماتهم البريئة الراقية حتى ساعة رحيلهم.
أقول هذه الكلمات؛ وأندب حظي على فراق زميل مهنة لم نحظ من دفعة جيله بكثير من أرباب أخلاقه، الصحفى الشاب عمرو عبد الراضى؛ الذى لقى ربه قبل ساعات دون استئذان أو وداع أو ضجيج، فقط؛ مرت السنون بيننا؛ فيها لقاءات وحوارات قصيرة للغاية؛ لم أجد منه فيها سوى طيب الكلام ورقي الفكر والتعقل.
لست من مرددى مقولة "اذكروا حسنات موتاكم" ولا أبغض أكثر من الشامتين فى موت خصومهم، ولكننى أجدنى دون إرادة متحسرا باكيا على كل غال راحل، هكذا تكون الابتلاءات.
بت متعلقا أكثر بكل عزيز منذ فقدت شقيقتي الكبرى فى شبابها؛ وقبلها جدتى التى علمتنى تلاوة القرآن الكريم مع هجائي حروف الكلام، وتعاظمت حسرتي بانكساري مع وفاة أبي قبل ١٤ سنة مضت كساعات.
فقدت فى رحلة استمرت ٢١ سنة بالتمام داخل العمل الصحفى أعزاء كراما من الزملاء الصحفيين الكبار والشباب، لم أفهم لماذا قرروا الرحيل عنا، هذا الحسيني أبو ضيف شهيدا فى مذبحة الاتحادية؛ وأحمد سعيد ضحية المرض اللعين؛ وأحمد الشرقاوي عابر السبيل فى زمن الاتجار بالقلم؛ و رشا حسن التى لم تطل فرحتها بزوجها وصغيريها؛ وهانى عبد الراضى صوت الأهالى الفيلسوف الثائر.
محمد السيد سعيد؛ صاحب القلب الطيب والفكر المستنير، وسلامة أحمد سلامة خلاصة علم المقال، وفتحى عامر الكاتب الحزين، وعبد الله إمام أول من اختبرت نفسي فى مقابلته لقبولي متدربا فى بداية عملي الصحفى.
صرت أسأل بين الحين والآخر عن كل صاحب معاناة مهنية أو صحية من زملاء وأساتذة، أردد سيرة أسامة الرحيمى وأتردد على ذى القلب المفتوح محمد حربي، وأتألم بين نظرتين لعماد الصابر وساهر جاد، وأتابع بين قوسين طلعت إسماعيل وأكرم القصاص ومصطفى خلاف أول من راجعوا كلمات سطرتها بجنون على ورق "الداشت" فى تجربة "العربي" عام ١٩٩٩ .
أتألم أكثر؛ حينما أتردد على مقر نقابة الصحفيين لأجد مواطنين يحضرون للشكوى داخلها من منتحلي صفة أو متاجرين بالقلم والنفوذ، وأسأل كم من ضحية لفساد القيد داخل مؤسسات هوت بتوجهاتها السياسية أو انحرافها الإداري لتقدم للمجتمع من يتباهون بسوءاتهم، حتى إذا ما غيب الموت شريفا بينهم انطلقت عبارات الحسرة على ألسنتنا؛ "ها قد رحل أنظف من فيها".
حقيقة؛ لم أفهم معنى تعاقب مجالس بمختلف أفكار أعضائها على نقابتنا دون أن يترك كثيرون بصمة واضحة فى صالح حقوق زملاء راحلين وعائلاتهم، حتى إذا ما ذكرت سيرة أحدهم انتهت باستهجان حال خلفائه وإهمال شكواهم من ضيق عيش، وسنة بعد سنة؛ يتعاظم عدد المحرومين من مظلة تأمينية مع تراجع أوضاع الصحافة وسوء إدارة المؤسسات، مقابل تزايد أعداد المتاجرين بلقب صحفي والمنتحلين له دون ملاحقة قضائية أو نقابية لهم.
الابتسامة لم تعد تعرف كثيرا طريقها لنا كصحفيين، حتى أصبحنا نبكى حظنا الذى ألقانا لاختيارنا صاحبة الجلالة، لكنه قدر كل صاحب حرية ورسالة لا يفرط فيهما، وليكن ابتلاؤنا مقبولا؛ ولو هتفنا بدلا من المواطن الشاكي "الصحافة فين..!!".
اطلبوا الرحمة والمغفرة لكل زميل صحفي محترم دافع عن حقكم وحريتكم؛ كما طالبتموه يوما بالدفاع عن عدالة قضاياكم، فبيننا من يستحقون دعاءكم أحياء وأمواتا.