الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لكل المقهورين أجنحة


العنوان الذي وقعت عيناك عليه هو عنوان كتاب للأديبة الراحلة العظيمة بكتاباتها رضوى عاشور، لكنه لا يمت للسطور التالية بصلة، فقط اقتباس يفي بالغرض، فإذا كنت من المتفائلين الحالمين بقراءة خبر سار أو معلومة جديدة فلا تكمل، وإن كنت من المتشائمين وتنتظر نهاية العالم فلن تجدي قراءتك تلك نفعًا، لكن إن كنت من المقهورين المؤمنين بغد ذي أجنحة تنتصر لك وأن الخير دائمًا فيما اختاره الله، فآمل أن تجد ضالتك بين ثنايا السطور التالية.

نحن معشر البشر نلجأ إلى الله في أحلك الظروف، نتذكره ونتضرع إليه في أزماتنا، اعتدنا ترك العام كله والمذاكرة قبيل الامتحان، نعشق التأخر في كل شيء وعن كل شيء ونعتمده أسلوبًا لحياتنا، لا نحرك ساكنًا إلا بعد خراب مالطا، نكسر الخواطر وننظر للأمور من ثقب إبرة، صار قاموسنا اليومي لا يخلو من تلك المفردات "اعمل لنفسك وما تفكرش في اللي حواليك"، "الفلوس أهم حاجة.. الفلوس هي اللي بتعمل كل حاجة"، "اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع"، "مالكش مكان معانا في الشغل"، "إحنا مالنا خلينا في حالنا ونمشي جنب الحيط"، "شغلك مش مضمون"، "إنت فاشل عشان ماجبتش مجموع ودخلت كلية قمة". 

كم مرة وقعت تلك الكلمات على مسامعك؟ وماذا كان تأثيرها النفسي عليك؟ كم مرة شعرت بالقهر لأن أحدهم لم يؤمن بك وبقدراتك؟ هل سألت نفسك لماذا يحدث كل هذا؟ هل انتظرت إجابة من أحد أم أخذت تربت على حالك وتطبطب نفسك بكلمات مسكنة!

بملابس رثة وقوام مهترئ وشكل أشعث وقدمين اكتستا بتراب الأرض حتى بات من الصعب التفريق بينهما، يجلس رجل تسعيني في ملامحه، أربعيني في هويته، على أحد أرصفة حي الدقي، يقتات يومه من المارة أو بقايا طعامهم، يبيت ويصبح من رصيف إلى آخر، الأرض فراشه والسماء غطاؤه ويداه وسادته.

المشهد ذاته ستراه كثيرًا وربما مررت به أو تراه بشكل يومي حتى أصبح جزءًا من يومك المعتاد، ولا يختلف المشهد ذاته كثيرًا إذا كنت في حي راقٍ أو شعبي، دولة عظمى أو نامية، فلا فرق بين مشرد صومالي أو سويسري.. كلهم مقهورون.

لكن الأمور لا تسير على وتيرة واحدة وديناميكية الحياة لا تتوقف، فكم من مشرد تحول بين ليلة وضحاها إلى شخص فاحش الثراء، وكم من مقتدر أفلس وهوى من  ناطحات سحابه إلى موطئ قدمه.

فيروس كورونا أو "كوفيد ١٩"، خير دليل على ديناميكية الحياة وأن أتفه الأشياء التي لا ترى بالعين المجردة استطاعت إحداث تغيير جذري في العالم، فلا فرق بين دولة عظمى ولا دولة صغرى، فالجميع بماله وعلمه وقوته وجبروته منبطح أمام شيء خفي، ولا يملك من أمره شيئًا وسلم روحه لأمر السماء، وبدأ الإحساس بالآخر وأصبح التفكير يأخذ منحنى آخر لمجرد الشعور باقتراب الأجل، فُأطلقت حملات التكفل بالأسرة الفقيرة، وانتشرت تحديات الخير، وأوشك المشردون على الاختفاء من الشوارع ليس فقط بفعل حظر التجول الذي فرضته الحكومات على مواطنيها لمواجهة الفيروس، لكن لسيادة التكافل الاجتماعي والنظر للأمور من خارج ثقب الإبرة. 

برغم الألم والوباء الذي لا يفرق بين غني وفقير، وبرغم الخوف والرعب المتسلل إلى الجموع من المستقبل، هناك شعور آخر يعبر إلى قلوب المقهورين بأن هناك من ينتصر لهم، فلا هم يخشون الفيروس ولا يعيرونه اهتمامًا، فالموت بفيروس أدخل عليهم نوعًا من الحنو الممزوج بالانتصار، أهون من الموت قهرًا مغمسًا باليأس. 

عودة المقهورين لخريطة الاهتمام بفعل قوى خفية حتى ولو كانت على هيئة وباء قاتل، نجحت في إشعارنا بالخزي، والحكومات بخيبة الأمل، وتفرض على الجميع إعادة ترتيب أولوياتنا أفرادا ودولا عقب مرور الأزمة العالمية الراهنة المتمثلة في فيروس كورونا، ووقف الدول سباق التسليح والاقتتال، والعودة لمنابر العلم، والإنفاق على التعليم والصحة، ومحو القهر من قاموس الإنسانية.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط