لكل شارع من شوارع القاهرة حكاية، وتاريخ طويل، ومن بينها شارع كلوت بك، الذي كان مقصدًا لرغبي المتعة الحرام بكل أشكالها واشتهر بالخمارات التي كانت تقدم كل أنواع الخمور والكحوليات وقرعات النبيذ، وتحول نشاط محاله إلى بيع قطع غيار البوتاجازات والأجهزة الكهربائية ووصل سعر الواحد منها إلى ملايين الجنيهات.
قديمًا كان شارع "كلوت بك" أحد أهم أسواق الغلال والحبوب في مصر قبل مجيء الحملة الفرنسية، وبعد مجيء نابليون بونابرت اختير هذا الشارع محلًا لإقامة جنوده نسبة لموقعه الاستراتيجي وقربه من ميدان رمسيس الذي يربط بين العاصمة المصرية وأحيائها؛ وفي الوقت نفسه يعد مركزًا لوسائل النقل المختلفة على مستوى الأحياء والمحافظات، وهو الأمر الذي يضمن لبونابرت استمرار وصول الإمدادات الغذائية لجنوده.
وافتتح الشارع في حوالي عام 1872، وقضى الطبيب الفرنسي الذي ولد عام 1793، في جرنيوبل بفرنسا، معظم حياته في مصر، بعدما عهد إليه محمد علي باشا بتنظيم الإدارة الصحية للجيش المصري، وصار رئيس أطباء الجيش قبل أن يمنحه محمد علي باشا لقب "بك" تقديرًا لجهوده في النهضة الطبية التي أحدثها في مصر.
شارع "كلوت بك" اسم شهير لا يخطئه أحد ومجرد أن تتلفظ باسم الشارع العتيق القابع في وسط القاهرة، تعود تسمية شارع كلوت بك إلى "انطوان براثيليمي كلوت"و هو طبيب فرنسي قضى معظم حياته في مصر ، بعدما عهد إليه محمد علي باشا بتنظيم الإدارة الصحية للجيش المصري ، و صار رئيس أطباء الجيش ، منحه محمد علي باشا لقب "بك" تقديرًا لجهوده في النهضة الطبية التي أحدثها بمصر ، أقنع كلوت بك محمد علي باشا بتأسيس "مدرسة الطب" في أبي زعبل عام 1827 و تولى إدارتها ، و كانت أول مدرسة طبية حديثة في الدول العربية ، و كانت تضم 720 سرير ، و قد نقلت بعد ذلك إلى قصر العيني ، و الذي غلب على اسمها فأصبحت تعرف بقصر العيني ، و قد ألحق بها مدرسة للصيدلة ، ثم أخرى لتخريج القابلات.
وبعدما أقنع "كلوت بك"، محمد علي باشا، بتأسيس "مدرسة الطب"، في منطقة أبي زعبل، وتولي إدارتها، وكانت أول مدرسة طبية حديثة في المنطقة العربية، والتي نقلت بعد ذلك إلى شارع "قصر العيني"، والذي أصبح اسمها فيما بعد.
وبذل "كلوت بك"، جهودًا كبيرة لمقاومة الطاعون الذي ضرب مصر عام 1830، وعني بتنظيم المستشفيات، كما أشار بتطعيم الأطفال ضد مرض الجدري. وفى عام 1847، كان "كلوت بك"، أول من استخدم البنج في مصر في عمليات خاصة بالسرطان والبتر، كما أثرى "كلوت بك"، المكتبة الطبية العربية، بالعديد من المؤلفات الطبية.
وفى عام 1849، عاد إلى مرسيليا في فرنسا، بعد أن ساد مصر حالة من الإهمال في عهد عباس حلمي الأول، ورغم ذلك، عاد إلى مصر عام 1856، في عهد محمد سعيد باشا، الذي قرر إعادة افتتاح مدرسة الطب في احتفال ضخم، وفي عام 1858، عاد "كلوت بك"، إلى فرنسا بسبب حالته الصحية، وتوفي "كلوت بك"، في مرسيليا، عام 1868، وتم تكريمه بإطلاق اسمه على شارعين في القاهرة وجرينوبل (مسقط رأسه).
ولم يكن الشارع للبغاء وممارسة الرذيلة فقط بل كان هناك سكان عاديون يقول عنهم "المقريزي والجبرتي" وبقية كتّاب التاريخ: "إن الأحرار هجروا المدينة أو المنطقة، عندما تحولت بؤرة بغايا، لأن الناس الشرفاء يتركونها، بالتالي أصبح الشارع مقتصرًا على الحانات والفنادق المشبوهة والمقاهي".
وتعد حارة "درب طياب" ضمن أشهر الحارات المتفرعة من "كلوت بك" واشتهرت بوجود بيوت مخصصة الدعارة، وتعددت أسماء حارة "درب طياب"؛ بحسب نشاطها وقتها حيث أطلق عليها شارع بيت أم سمسم نسبة لأكبر بيت للدعارة وسمي بشارع الشواذ حيث كان في فترة من التاريخ مقصدًا لراغبي تلك المتعة المخالفة للفطرة.
وتظل "اللوكندات" الشعبية القديمة في قلب القاهرة، أبرز ما يميز "كلوت بك" حتى اليوم، فموقع الشارع المميّز قرب محطة سكك حديد مصر، يجعله قبلة أبناء الأقاليم المغتربين، وتمتاز اللوكندات الشعبية في كلوت بك منذ نشأتها برخص أسعارها، وسوء خدماتها، وعدم توافر عناصر الجودة والأمن والتعرض للأمراض كما تحدثت العديد من أفلام السينما المصرية عن حكايات وحكاوي شيقة من داخل أزقة وحانات كلوت بك.