من محاور الأزمة التى نواجهها خلال الفترة الأخيرة مع انتشار فيروس كورونا ، اختبار حياة أو موت للدولة الوطنية والمنتج المحلى ، مع انهيار النظام العالمى بمحافله ومنظماته الدولية والإقليمية والمناطقية على كل تنويعاتها ، الأمر طبعا لا يتعلق بمصر فقط ، بل تعانى منه كل دول العالم الكبيرة قبل الصغيرة .
الصين نجحت بشعبها ومنظومتها ومنتجها المحلى وجيشيها الطبي والعسكري والاحتياطى الشعبي .. وأمريكا سقطت حتى إنها تطلب المساعدات اللوچستية علنيا من إسرائيل ، والتى كما قلت سابقا منذ أيام ، هى نفسها تعانى وشكلت لجنة برئاسة رئيس الموساد يوسي كوهين لسد العجز في المعدات والمهمات الطبية المتعلقة بمواجهة الفيروس .
الأمر مصيرى وجد خطير، فيجب الاعتماد على النفس كليا ، ومن هنا جاءت أهمية القوى الوطنية من المنتج المحلى والجبهة الداخلية وحكومات الدول ، رغم أن هذا كله يأتى في أجواء اقتصادية صعبة جدا ، فالحكومات يجب أن تقدم مساعدات بالتريليونات لكل فئات الشعب المتضررة ، وفي نفس الوقت يجب أن تنمى آليات إنتاجها المحلى على الأقل في الضروريات الاستراتيجية الملحة ، مع تأثر الطيران والشحن حول العالم .
فهذا وقت اللجوء للنفس فقط ، ولا تلجأ حتى لجيرانك لإغلاق الحدود وإنغلاق الدول على نفسها .. والأمثلة كثيرة ومعقدة في هذا الشأن ، باستثناء الصين التى تقدم خبراتها الآن للدول المضارة ، الأمر الذي دفع بالإيطاليين لإلقاء علم الاتحاد الأوربي أرضا ، ورفع العلم الصينى على نفس السارية عاليا ، في مؤشر تاريخى معقد أعتبره ملمحا لنظام عالمى جديد ، فأمريكا تطلب المساعدات من إسرائيل العاجزة أساسا ، والصين تقدم للجميع مساعداتها وخبراتها ، بمن فيهم من لم يقفوا بجانبها في أزمتها .
والتجربة المصرية في هذا الإطار مميزة وغير تقليدية ، جعلت الإعلام الدولى يتعامل معنا على إننا دولة عظمى بمعنى الكلمة ، نقدم المساعدات لأصدقائنا رغم أزماتنا ، ونعيد أبنائنا من الخارج بأسطول جوى غير مسبوق ، من أوربا بالذات ، في إنقلاب للصورة المعتادة ، حيث كان يهرب المصريون لأوربا ، الآن يهربون لمصر ، بل وهناك معلومات عن هجرات غير شرعية من إيطاليا لمصر ، سبحان محول الأحوال .
وبمناسبة الحديث في هذه النقطة ، فكلنا طبعا مع حماية الدولة المصرية لأبنائها في الخارج ، لكن مع الحرص على أبنائها في الداخل ، خاصة إن العائدين من الخارج كانوا رافدا رئيسيا مع الخبراء والسياح الأجانب في نشر الكورونا في مصر ، فيجب عزل طبي للعائدين كالذين عادوا من ووهان ، مهما كان عددهم ، حتى لا تقع الكارثة التى يقلق منها الكثيرون المتابعون لهذا الشأن ، وتحفظوا عليه وشددوا على إجراءات العزل المشدد ، مهما كان العدد .
وعودة للمنتج المحلى الذي تمنحه الأقدار فرصة تاريخية ، لا قبلها ولا بعدها ، يجب عليه أن يقتنصها ، وهو حتى الآن مواجه ومقاوم وناجح ، لكن الأهم الاستمرارية ، فالمنتج المحلى نجح بشكل ما في معركة المطهرات والمنظفات والكمامات ، وبالذات مع تدخل الجيش ، لكننا لانزال نسأل عن رؤوس الأموال المفروض إنها وطنية ، أين هى وماذا فعلت لدعم الدولة والمجتمع ، الذين يتكسبون من ورائهما المليارات .
حول العالم ، نشاهد مبادرات من كل كبار رجال الأعمال ، بدعم بلادهم ومجتمعاتهم حتى يتجاوزوا الكارثة ، وللأسف لا نسمع في مصر صوت رجل أعمال يقدم المبادرات والأفكار لدعم المنتج المحلى والدولة والمجتمع ، بس بالعكس هم الذين يطلبون الدعم ، مثلهم مثل عمال اليومية .. والدولة بالفعل تقدم لهم ، بالذات المصدرين ، بغية تعزيز موقف المنتج المحلى ، في هذه الأجواء القاسية .
أتمنى من الدولة أن تجبر هؤلاء رجال الأعمال على إخراج بعض ملياراتهم ، ولديهم ملفات كثيرة يمكن الضغط عليهم من خلالها ، طالما لا يشعرون بالأزمة وحدهم ، ومنها على الأقل التهرب الضريبي وخلافه ، فلن ينفع مع بعضهم سوى هذا الأسلوب المجرب ، وحقق أهدافه كثيرا ! .. وللأسف نقول ذلك ، لكن هم من دفعونا لذلك .
فالمنتج المصري أمامه فرصة العمر ، ليكون منتجا رئيسيا في سوقه ، وأيضا عالميا .. نتحدث بمنطقية فالتدريجية مطلوبة ومجبرون عليها ، فلا نملك تكنولوجيات " النو هاو " في كثير من الصناعات ، وهناك مشاكل في المواد الخام وقطع التصنيع والغيار ، ولذلك علينا أن نبدأ من الصناعات المحترفين فيها ، ولتكون دافعا لنا .. وعلى الجبهة الداخلية أن تدعم هذا الفكر وتتحمل المنتج المحلى ، حتى يصبح قويا ، لأن في ذلك دعما لنا كلنا ، ونقلة حقيقية لحياتنا .