رحلة الإسراء والمعراج.. يُقصد بلفظ الإسراء أنّه السير ليلًا، وفي الاصطلاح هو انتقال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من مكّة المكرمة إلى المسجد الأقصى، وأمّا المعراج فهو من العروج ومعناه الصعود، والمعراج اصطلاحًا: صعود النبي -عليه الصلاة والسلام- من بيت المقدس إلى السماوات العلا، ثمّ وصوله إلى أعلى السماوات حيث يسمع صريف الأقلام تكتب الآجال.
الاسراء والمعراج .. ووقعت حادثة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة من بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد وفاة زوجته خديجة -رضي الله عنها- وعمّه أبي طالب، حيث كانا أعزّ نصيرين ومعينين للنبي من الناس، فكان عمّه يمنع عنه مكائد قريش، ويدافع عنه أمامهم، وكانت زوجته خديجة تشدّ أزره وتقدّم له كلّ دعمٍ ماديٍّ ومعنويٍّ يحاتجه، فحزن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على وفاتهما حزنًا شديدًا حتى سميّ ذلك العام بعام الحزن؛ لشدّة ما بدا على النبي -عليه الصلاة والسلام- من حزن لوفاتهما، ومما زاد الهمّ والحزن في قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تطلّع لأهل الطائف يدعوهم إلى دين التوحيد بعد كلّ الصدود والتكذيب والتعذيب، الذي لاقاه من قومه في مكّة، فذهب إلى الطائف رجاء أن يتّبعوه وينصروه، فسخروا منه واستهزؤوا به وأرسلوا خلفه غلمانهم وأطفالهم يرمونه بالحجارة، فخرج من الطائف مهمومًا حزينًا، فتلت هذا الهموم رحلة الإسراء والمعراج، لتكون إيناسًا للنبي -عليه الصلاة والسلام- وتخفيفًا عليه من شدّة ما لاقى من تكذيبٍ وكفرٍ من قومه.
إنّ العبادة الوحيدة التي فُرضت في السماء السابعة دون واسطةٍ بين الله تعالى ونبيه محمدًا صلّى الله عليه وسلّم عبادة الصلاة، وليس ذلك إلّا لبيان أهمّيتها، وفضلها، وعظمة مكانتها في ميزان الله تعالى، حيث فُرضت الصلاة أولًا خمسين صلاةً كما ورد في حديث صحيحٍ طويلٍ عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم خفّفها الله تعالى على الأمة حتى بلغت خمس صلواتٍ في اليوم والليلة.
1)مجيء رحلة الإسراء والمعراج بعد الهموم الكثيرة التي طالت بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثمّ فرْضُ الصلاة فيه ممّا يدلّ على أنّ الصلاة سببٌ لإزالة الهموم والغموم عن العباد، ومصدر راحةٍ وهناءٍ لعباده.
2)ورود قصّة الملكين الذين أخرجا قلب النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وطهّراه بماء زمزمٍ، وربط ذلك بالوضوء قبل الصلاة يعطي إشارةً إلى الطهارة التي تعمّ الباطن والظاهر للمصلّي.
3)ابتداء رحلة الإسراء في مكة، وانتهائها في المسجد الأقصى ربطٌ بينهما، فالمسجد الأقصى كان قبلةً المسلمين، ثمّ تحولت إلى الكعبة المشرفة.
4)مرور النبي -عليه الصلاة والسلام- على موسى في رحلة الإسراء والمعراج، وهو يصلّي في قبره، والربط بينها وبين توجيهه للنبي -عليهما السلام- بمراجعة النبي لربه في عدد الصلوات حين فُرضت خمسون صلاةً، ثمّ خُفّفت إلى خمس صلواتٍ.
5)صلاة النبي -عليه السلام- إمامًا بالأنبياء كلّهم في المسجد الأقصى دلّت على نسخ كلّ شرائعهم، واتباعهم شريعة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك الصلاة بالنسبة للمسلمين عنوان شرائعهم في دينهم.
6)عروج النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى كلّ سماءٍ على حدّةٍ، كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي، وكذلك الصلاة كما يُروى أنّها تعرج إلى السماء فتفتح لها أبواب السماء إن كانت مقبولةً عند الله تعالى.
7)مرور النبي -عليه الصلاة والسلام- بالبيت المعمور في السماء السابعة، وهي بيتٌ يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملكًا يصلّون فيه، ثمّ لا يعودون إلى يوم القيامة، فيدلّ ذلك على أنّه كما أنّ عبادة أهل الأرض الصلاة، فإنّها عبادة أهل السماء كذلك.
تدل الآيات المكية التي نزلت في أول البعثة أن أَصْل وُجُوبِ الصَّلاَةِ كَانَ ثابتًا فِي مَكَّةَ فِي أَوَّل الإْسْلاَمِ ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون قبل فرض الصلوات الخمس، واختفلوا في كيفية فرض الصلاة في أول الإسلام، فذهب الإمام الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين في الغداة وركعتين في العشي، وأما الإمام الشافعي فنقل عن بعض أهل العلم أن الفرض كان صلاة الليل كله ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر منه)، فأصبح الفرض قيام بعض الليل ثم نسخ ذلك بفرض الصلوات الخمس.