في الوقت الذي يواجه فيه العالم أزمة وصفت بأنها أزمة العصر وهي وباء كوفيد 19 أو جائحة فيروس كورونا المستجد الذي أرعب العالم من أقصاه إلى أقصاه ومازال يجتاحه ليصيبه بشلل سياسي واقتصادي غير مسبوق وفرض عليه إجراءات احترازية تتخذ لأول مرة في حالة السلم مثل غلق الحدود وعزل المدن وتوقف رحلات الطيران وحرمان نصف طلاب العالم من التعليم وكما أدى إلى وفاة 8000 شخص حتى الآن... فأصبحت كل دولة منكفأة على نفسها تدبر أمورها في إدارة معركتها مع هذا الوباء... دارت معركة أخرى من نوع جديد ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
إذ اتهمت إيران على لسان وزير خارجيتها (محمد جواد ظريف) أمريكا بعرقلة جهودها للسيطرة على تفشي الوباء داخل إيران بسبب حزمة العقوبات الأمريكية عليها وطالب ظريف المجتمع الدولي في تغريدة له بالانضمام إلى ما أسماه الحملة العالمية لعدم الإكتراث بالحظر الأمريكي كما أكد الرئيس الإيراني (حسن روحاني) أن حملة الضغط الأمريكية والعقوبات غير الشرعية عائق كبير أمام محاربة فيروس كورونا.
ولأول مرة منذ ستة عقود كما ذكرت مجلة وول استريت جورنال تطلب إيران قرضًا من صندوق النقد الدولي بقيمة خمسة مليارات دولار لمقاومة الحصار الأمريكي عليها.
وقد أيد الموقف الإيراني كل من: وزارة الخارجية الروسية التي قالت أن الولايات المتحدة تعرقل بشكل متعمد جهود إيران لمحاربة فيروس كورونا وذلك عبر العقوبات اللا إنسانية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
وكذلك الصين التي اتهمت أيضًا العقوبات الأمريكية بعرقلة جهود إيران في حربها على كورونا مما يجعل الوضع أسوأ وهذا غير إنساني، كما غرد رئيس الوزراء الباكستاني (عمران خان) دعمًا لإيران وقال إن العقوبات أثرت على قدرة الشعب الإيراني لمنع إنتشار تفشي كورونا.كما تقدمت السفارة الإيرانية في بريطانيا بطلب لرفع العقوبات.
الرد الأمريكي جاء سريعًا وعنيفًا فقد قال (مايك بومبيو) وزير الخارجية الأمريكي : إن العقوبات الأمريكية لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية وأن الولايات المتحدة عرضت المساعدة في أزمة انتشار الفيروس والحكومة الإيرانية رفضت ذلك وأنه يجب عدم تصديق الدعاية الصينية والروسية التي تهدف إلى تضليل الرأي العام.
واستمرارًا لسياسة الضغط الأقصى أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حزمة جديدة من العقوبات على تسعة كيانات دولية تقوم بعمليات إتجار في البتروكيماويات لصالح إيران أكبر راع للإرهاب في العالم في الصين وهونغ كونغ وجنوب افريقيا.
كما تم إدراج أسماء ثلاثة علماء إيرانيين على لائحة العقوبات وقد وصلت نسب الوفيات في إيران حتى الآن 1284 حالة وفاة والإصابات أكثر 18400 إصابة.
بالطبع لست ضد الشعب الإيراني وأتمنى له أن يتخطى محنة خطر إنتشار فيروس كورونا فالعالم كله يواجه هذا التحدي الكبير لكن ما زال قادة طهران يصرون على سلوكهم العدائي وعدم التعامل كدولة طبيعية بالإضافة إلى الكذب ولي الحقائق وبعيدًا عن العقوبات الأمريكية فلست بصدد الدفاع عنها لكني أتحدث أولًا عن لغة النظام الإيراني الذي يريد الإستفادة من تفشي الوباء وتسييسه أيضًا وإلباس المصائب ثوب السياسة.
كان يمكن لإيران أن تركز على التعاون مع البلدان في محيطها الإقليمي بدلًا من تكريس موارد الدولة لدعم الإرهاب وبث نفوذها في المنطقة ومع ذلك شاهدنا الموقف الإنساني الرائع الذي قامت به دولة الإمارات بإرسال معدات طبية لإغاثة الشعب الإيراني الذي يعرف جيدًا أن قياداته ينفقون المليارات على حزب الله في لبنان وعلى المليشيات الإرهابية في العراق واليمن وكان يمكن إنفاقها على القطاع الصحي في إيران وتنميته فالمسألة ليست مسألة عقوبات ولكنها مسألة أولويات فالإيراينيون يحتاجون للقاحات ضد كورونا وليس إلى صواريخ باليستية وسلاح نووي.
ثانيًا : لغة الإعلام الإيراني مضللة بشكل كبير ولم يكن هناك شفافية على الإطلاق في الكشف عن الأعداد الحقيقية للمصابين فكما صرح مسئول منظمة الصحة العالمية أن ما تذكره السلطات الإيرانية هو ثلث العدد الحقيقي للمصابين وأنها تتوقع إصابة 3.5 مليون إيراني مع نهاية شهر مايو القادم وعندما تحدث المرشد خامنئي في بداية تفشي الفيروس تحدث عن وجود مؤامرة الغرض منها تعكير صفو عملية انتخاب أعضاء البرلمان الإيراني ولم يتحدث عن أزمة حقيقية تواجهها إيران وغير صحيح بالمرة ما يقوله الآن الرئيس الإيراني (حسن روحاني) أنه تم الكشف عن الفيروس مباشرة فقد كان يعمل النظام الإيراني لشراء الوقت ليتمكن من إجراء الإنتخابات البرلمانية حتى أن أول حديث رسمي عن الفيروس كان يوم 19 فبراير الماضي أي بعد إنتهاء الانتخابات وهذا ما ذكره النائب البرلماني (فاردين فارمانت) الذي قال إن إيران تعاني من فيروس كورونا وفيروس التضليل فأعداد الضحايا أكبر بكثير من الأعداد الرسمية.
كما أن الطواقم الطبية هربت من مدينة مشهد ومدينة قم المقدسة في بداية الأزمة.
وهناك أيضًا تناقض في الخطاب الإعلامي فنجد أن الرئيس روحاني يقول إن إيران على وشك التغلب على إنتشار كورونا بينما يقر نائب وزير الصحة الإيراني أنه من المتوقع إصابة 70% من السكان بالوباء، ولذلك وجهت لروحاني العديد من الانتقادات حتى أن نائبه قال إن تصريحات روحاني قد تم تحريفها..!
كما يواصل الإعلام الإيراني الترويج لفكرة توصل المراكز البحثية الإيرانية لعلاج فيروس كورونا ويعرض صور العاملين في المعامل الذين يؤكدون التوصل للقاح لعلاج الفيروس ولكنهم تأثروا بشدة بسبب العقوبات التي تحجب عنهم المواد الأساسية التي يحتاجونها لتصنيع الدواء..!
خطاب رديء ومحاولات فجة للكذب، إن التعتيم على المشكلة وليس حلها وعدم الاعتراف بها كان أولى خطوات إنهيار الوضع وحصول كارثة تفشي الكورونا في إيران فالفيروس كان متفشيًا منذ وقت طويل قبل الإعلان الرسمي.
إن الحكومة الإيرانية بلا مبالغة تقتل شعبها بالكذب والتضليل ودعم الإرهاب تارة وبالتكتم وعدم الشفافية تارة أخرى، كان من الممكن التعامل الجاد والصارم مع الوباء منذ البداية مما كان سيقلل من أعداد الضحايا.
لا أحد يستطيع التنبئ بما سيحدث في هذه الظروف الحرجة فكل ساعة هناك ستة وفيات في إيران وخمسون إصابة جديدة وأتمنى أن يستفيق قادة إيران ويأخذوا في الاعتبار حياة الناس بغض النظر عن الحسابات والصراعات السياسية أو يجبرهم المجتمع الدولي على ذلك لأن حياة 80 مليون إيراني هي أمانة في عنق الجميع، ولا أعرف إلى متى ستظل إيران تمارس التضليل على حساب صحة مواطنيها فهناك تناقض بين إيران في العلن وإيران الدولة العميقة وهو ما أدى إلى هذا العدد الكبير من الضحايا.