كيفية الثبات على التوبة.. من رَحمةِ اللهِ بِعبادهِ أن تَركَ لهم باباً للتوبة مفتوحاً لا يُغلقُ حتَّى ترجعَ الرُّوح إلى خالِقها، وطريقاً للعودة إلى طريق الله مُمَهّداً مهما بلغَت النّفسُ من الذُّنوب والآثام، فإذا تاب المؤمن مما كان يقترف من الذنوب والمعاصي والآثام، ثم أراد أن يستمر بالصلاح ويثبت على حاله بعد التوبة فإنّ عليه القيام بالعديد من الأعمال، نبرزها فى التقرير التالى.
إنّ الثبات على التَّوبةِ مسألةٌ يسيرة لا تثقل على قاصدها ولا تُجهده، إنَّما تتمثَّل بأفعالٍ وسُلوكاتٍ بسيطةٍ مُعتادةٍ تقطع حبلَ الذُّنوبِ والمَعاصي، وتَصِلُ باب مُراقبة الله والتطبُّعِ بأوامره واجتنابِ نواهيه، وتكون الثبات بإلتزام الأمور التالية:
1- استشعار الأجر العظيم؛ فقد أعدّ الله - سُبحانه وتعالى- للتائب أجراً عظيماً إذا تَابَ توبةً صادقةً، ونَدم على جَميع الذّنوب والمعاصي التي ارتَكبها سابقاَ.
2- هجر الذنوب، والمعاصي التي اعتاد على ارتكابها فوراً؛ فالحَزم في ترك الذنوب والمعاصي من دواعي الثبات على التوبة، وعدم التّردد بها، ثم عدم العودة بعد ذلك لهذه الذنوب والمعاصي.
3- هجر كلّ ما يُمكن أن يُعيد التائب إلى المَعاصي والذنوب، ومن أهمّ ما يَجبُ على التائب الذي يَرغب بالثبات على التوبة بصدق أن يهجره كلّ الأسباب التي يمكن أن تُعيده لطريق الضياع ومعصية الله، كأصدقاء السُوء، وأماكن الفساد والفُجور، وأيُّ سببٍ قد يُزعزِعُ التوبة أو يُؤثر على التائب سلباً، فتُرديه في طريق الضلال، والهلاك.
4- التيقّن بأنّ الله - سبحانه وتعالى- إن تاب التائب، وثَبَت على توبته، وحافظ عليها، واستمر عليها، وابتعد عن الكبائر فإنّ الله سيُبدل سيئاته السابقة للتوبة إلى حسنات، وهذا من رحمة الله، وفضله، وكرمه.
5- استعانة التائبُ على كلّ ما سبق بالله سبحانه وتعالى، بأن يَمنَحه العَزم، والقُوّة للثباتِ على التوبة.
6- المسارعة إلى التوبة كلما وقع المسلم في مخالفات شرعيَّة وذنوب ومعاصي، وعدم التسويف أو التأجيل للتوبة، قال –تعالى-:« وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ»، [سورة آل عمران: الآية 133].
7- العزم على عدم الرجوع إلى المعصية، فبهذا العزم تصح التوبة، ويكتسب صاحبها صفة الاستمرار على التوبة.
8- الندم على فعل المعصية، فبالندم تعلو قيمة التوبة في نفس صاحبها. تصوُّر النتائج والعقوبات المترتبة على المعصية، وتصوُّر النتائج العظيمة والثواب الجزيل المترتب على التوبة.
9- هجر أماكن المعصية قدر المستطاع.
10- صحبة الطيبة الذين يعينون المسلم على الطاعة، وترك مصاحبة الأشرار، الذين يعينون ويشجعون على ارتكاب المعاصي.
11- مراقبة النفس ومحاسبتها، وذلك باستشعار مراقبة الله سبحانه في كل قولٍ أو فعلٍ يصدر عنها.
12- تعهد النفس بإشغالها بما ينفعها، مثل الإكثار من الطاعات، وتنظيم علاقته بكتاب الله تلاوة وحفظاً وتدبراً. تذكر الموت، وحسن الاستعداد له.
13- المحافظة على ذكر الله سبحانه، مثل المحافظة على أوراد الصباح والمساء.
14- الحرص على المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد، وحضور دروس العلم والاستماع إليها.
1- نيل محبة الله ورضوانه.
2- سعة الرزق والبركة فيه.
3- استقامة سلوك المسلم؛ لقوة الرقابة الداخلية لديه. نيل محبة النّاس له، ويظهر ذلك في أُلف الناس به، و ارتياحهم للحديث معه.
4- النجاح والتوفيق في شؤون الحياة المختلفة.
5- تماسك المجتمع وترابطه، ولا سيما كنتيجة للإقلاع عن الذنوب التي تتعلق بحقوق النّاس.
6- شعور المسلم بذاته وقيمته.
7- تحقيق معنى العبودية الحقّة لله سبحانه، وذلك عندما يفتقر المسلم لخالقه ويذل له.
8- طمأنينة المسلم في أمور حياته، وشعوره بالسعادة.
التّوبةُ في اللّغة هي العودة عن الذّنب والإقلاع عنه وتركه، والمَصدر تَوَب يعني التّرك والعودة، أمّا في الاصطلاح فهي تركُ الذّنب لقبحه والنَّدمُ على فعله، وبذلُ الجهدِ للتّكفير عنه والعزيمة على الإقلاع عنه، وإبداله بالأعمال الصَّالحة؛ تقرُّباً إلى الله واستِدراكاً لمَغفرته ورضوانه، والتّوبة أبلغ وجوه الاعتذار وأسمى درجاته، وفيها اعتِرافٌ باقتراف الذّنب أو المُخالفة والنَّدمُ عليها، والعزيمة على الإقلاع عنها دون تبرير أو إنكار، قال –تعالى-: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ».
1- استشعار النَّدمِ على ارتكابِ الذّنبِ، وإظهار الحَسرَةِ على ما تقدَّمَ من خطايا، والعزيمة على تركها جميعاً، وعدم العودة إليها.
2- مُحاسَبَةُ النَّفسِ وتَهذيبها ومُناصحتها بالخيرِ والإقبالِ على الطَّاعاتِ، ومراجعتها وتحريضها ضدَّ الذّنوبِ والمُنكرات.
3- إبراءُ الذِمَّةِ إلى الله بالاعترافِ لأصحابِ الحقوقِ والمَظالمِ، والاستِعدادِ للمُحاسَبةِ الدُّنيويَةِ، وإبراء الذمّة ما أمكن، والسَّعيُ لردُّ الحُقوقِ واجتذاب المُسامَحة.
4- أن تكونَ التَّوبةُ خالصةً لوجهِ الله تعالى لا رياءَ فيها ولا مصلحةً ولا تفريطَ ولا خِداع، واستحضار النيَّةِ وسلامتها، وأن لا يُراد بالتَّوبةِ أمرٌ غير الله، والسَّلامةُ من عقابه والطَّمع في إحسانه.
5- مُجاهدة النّفس ومُصارعتها لترك المعصية، والإقلاع عنها والابتعاد عن بيئاتها، ومُهيِّئاتها، ومُسبّباتها، ودوافعها، ومن يُعينُ عليها.
6- طلبُ العونِ من الله على التَّوبةِ تسخيراً وقبولاً واستغفاراً ودعاءً.
7- إدراك الوقتِ المَخصوص لقبولِ التَّوبة قبل بُلوغِ الغَرغَرَةِ مِن الموتِ أو قِيامِ السَّاعةِ؛ لخصوصيَّة هذهِ المراحل الزَمنيَّة المُتَّصفةِ بالعَجزِ والضَّعفِ وتيقُّنِ الهلاكِ، قال الله تعالى: «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآْنَ»، كما رُوي عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قوله: «مَن تاب إلى اللهِ قبل أن يموتَ بيومٍ قَبِل اللهُ منه قال: فحدَّثتُ بذلك رجلًا آخرَ مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: أنتَ سمِعتَ ذلك ؟ قلتُ: نعَم قال: أشهدُ لَسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَن تاب إلى اللهِ قبل أن يموتَ بنصفِ يومٍ قبِل اللهُ منه قال: فحدَّثتُ بذلك رجلًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أنتَ سمِعتَه ؟ قال: قلتُ: نعَم فقال: أشهدُ لَسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن تاب إلى اللهِ قبل أن يموتَ بضحوةٍ قبِل اللهُ منه قال: فحدَّثتُ بذلك رجلًا آخرَ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أنتَ سمِعتَ ذلك ؟ قلتُ: نعَم قال: فأشهَدُ لَسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَن تاب إلى اللهِ قبلَ أن يُغَرغِرَ قبِل اللهُ منه».