قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الشهاوي و"ما أنا فيه"


كلما قرأت قصيدة في أي من دواوين الشاعر الكبير أحمد الشهاوى، أشعر بأننى أسير على حافة السور المضروب ما بين الجنة والنار، فأتحاشى السقوط على الشمال وفي الوقت نفسه ليس مسموحا لي أن أسقط في الجنة لاستحالة أن يكون السقوط وسيلتى الوحيدة للتمرغ في ترابها.


وشعر أحمد الشهاوى امتزج بتجربة صوفية يعتز بها في كل أحاديثه الصحفية والعامة والخاصة، ذلك لأن الشاعر المتصوف أكثر حرية من الشاعر الفيلسوف، فللفلسفة قيودها العقلية وحدودها المنهجية التى يمكن أن تعترض خيالات الشاعر، فيصبح شعره وقد فضل الحكمة على الحسن، لذلك تجد الشعراء الفلاسفة يحكمون خيالاتهم على حساب الحسن أو يكحلون الحسن بالحكمة أو الحكمة بالحسن، أما الشاعر المتصوف، فيبدو مؤثرا الحرية على الحكمة لأن الكلمة في مبناها ومعناها لديه تقف متأملة في محراب الحسن، عذرا قد تختلف معي في أنى أرى شعر المتصوفين أكثر جرأة وانطلاقا من شعر المتفلسفين.


وفي أحدث دواوينه "ما أنا فيه" وبين خمس وأربعين قصيدة لكزني هذا المقطع:

"أنا تعبت من عصا حكيم

سوستها آثام الليالي

لكأن بلقيس شاهدت موتي

قبل أن ينخر السوس العصا

كأني دخت من فرط السنين

التى فرت من حبات مسبحتي

سترت عورة طائري بقصيدة لم تأتني

صرت معوجا كحرف الدال في اسمي

ومست النار بيتى"


أعود فأقرأ في بقية القصائد وأقلب في أوراق الديوان ولكن أعود لقراءة هذا وأجد رابطا سحريا بين بقية القصائد وهذا المقطع لماذا؟!


لم أسأل الشاعر عن هذا البيت ولا شرعت في السؤال، فكما أن الشاعر حر في أن يكتب ما يشاء، فقارئ الشعر لديه مساحة أكبر من الحرية ليرى في الشاعر وما أشعره ما شاء له أن يرى، فوجدتنى كمن يأخذ عينة من الشعر ليجرى تحليلا يعرف من خلاله ما في هذا الديوان ما في نفس مؤلفه.


وحرف الدال في اسم "أحمد" ليس مجرد صوت أو رسم إملائي، إنه سر، لعله سر جعل "أحمد" الشهاوى نفسه يسمي ابنه الذي كان من حظه الإهداء الثانى في ورقة منفصلة "أحمد".


أما الإهداء الأول فخصصه الشاعر للسيدة "نوال عيسى" وهي أمه والتى يفتتح بإهدائها كل إصداراته منذ يوم عرفت كلماته هدير المطابع.


"صورتى ليست بالألوان" وهي القصيدة الثانية في الديوان يبدأ قائلا:

"صحيح أن اسمي أحمد

وحروفي هي الأنين

لكنها -أحيانا- تصير أثقل من جبل

حَمَّلَهُ الحُجاجُ ذنًوبَهم البريئة"

ولعلم الأسماء والحروف باب "مرعب" عند أصحاب الحقيقة من أهل الطريقة ولعل هذا العلم هو الباب الذي باطنه الرحمة وظاهره العذاب.


عذرا فالكلمة، بل الحروف المكونة لها فيها سر، ألم يخلق الكون بكلمة من حرفين اثنين فقط؟!.. ألم يهبط آدم بكلمة؟!.. ألم تكن توبته بأن تلقى كلمات؟!.


عذرا مرة أخرى فقراءتي لشعر الشهاوي بل وأي شعر آخر ليست من قبيل النقد، فما قرئ الشعر قديمه وحديثه، لننقده ونقيمه فقط، ثم إن هذه ليست صناعتي ولو كنت ناقدا لربما لم أصل للانفعال بالشعر كما يشعر القارئ، فكما تحرر المتصوف من قيود الفلسفة، كذلك تحرر القارئ من قيود النقد فلا يلزمه أن يرى ما يراه الناقد ولا هو ملزم بتعاليمه!.


والشهاوى دارس للفلسفة وصاحب لتجربة صوفية ومتيم بالشيخ الرئيس وهو أقرب الفلاسفة للصوفية وكم تلاقت الفلسفة مع التصوف ودعك مما يبدو بينهما من تناقض، فمع اقترابك من سدرة منتهى الشعر والفكر، لا معنى لأى تناقص وأنت لن تفلح في الفلسفة ما لم تحمل غاية متصوف ولن تخطو في التصوف قبل أن تكحل عينيك بنور العقل.


العقل؟!

نعم فقد ورد في الأثر عن المتصوفين "أن الله جل وعلا لما خلق العقل سأله من أنا فلم يعرفه، فكحله بنور الوحدانية وأعاد السؤال فعرفه وقال أنت الله الواحد الأحد، فأقسم العلي القدير بأن يجعل العقل مقياس الحساب والثواب والعقاب" فانظر جيدا لرمزية هذه القصة المتداولة ما بين عالمي الفلسفة والتصوف وانظر أيضا إلى حرف الألف في المبتدأ، ذلك الحرف الذي أولع به كبار المتصوفة وحرر فيه الشيخ الحكيم الترمذي المتصوف، ما حرر ليشرح لنا لماذا كان الألف مستقيما كرقم الواحد وكلاهما مبتدأ لما يليه!.


فأنت في هذا الديوان ستجد فلسفة وتصوفا مزج بينهما الشهاوى وهو يسير على السور الفاصل.