قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

ليس بالمنع وحده نقضى على الظاهرة


تابعت وشاهدة كما تابع مثلى الكثير، قرارات نقابة المهن الموسيقية بمنع المنوط بهم أغانى المهرجانات لما تقدم تلك الأغانى من عبارات وحركات تتنافى مع قيم وعادات المجتمع المصرى، ووجدت ثورة عارمة من رواد مواقع التواصل الاجتماعى على ما يطلق عليهم مغنيو المهرجانات، وتأييدا وإجماعا على قرار النقابة ومنع من مجموعة ممن أطلق عليهم مغنيو المهرجانات من الغناء، بل ووقف بعض الحفلات والمسلسلات التى يؤدون بها أدوارا.


ومع تزايد أعداد مؤيدى قرار المنع وارتفاع الأصوات التى تؤيد القرار وموجة الغضب العارمة من الآباء والإمهات وطبقة المثقفين، ازداد استغرابي للكم الهائل من موجة تأييد القرار، ووجدت البعض يتشفى في هؤلاء المغنيين ومن طريقة الأداء ونوعية الكلمات التى تغنى، وهذا ما زاد من دهشتى واستغرابي.


وهذا ما يجعلنى أطرح بعض الأسئلة التى تجول برأسي، هل هؤلاء المغنيون ظهروا فجأة فى المجتمع؟ هل تلك الشهرة التى لحقت بهم من فراغ أم لهم جمهور كبير يستمع إليهم وينسجم مع أدائهم؟ هل يأتى بهم بعض صفوة المجتمع فى الأفراح وأعياد الميلاد ويتمايلون على أنغامهم؟ هل الثروة التى بين أيديهم من حر عملهم ويدفع لهم المنتجون ورواد الملاهى الليلية أم من أين أتوا بتلك الأموال؟

وأنا بكل تأكيد لست مع أى نوع من أنواع الفنون يكون دون المستوى أو يفتقد للذوق وللأصالة مع اختلاف الأذواق وتنوعها حسب الخلفية الثقافية للإنسان، ولكن فى ذات الوقت أنا ضد أى مصادرة أو حكم على نوعية ما يستمع إليه أو يشاهده الآخر ما دام لا يضر أو يخدش الحياء العام لأن تنوع الفنون والثقافات مطلب هام فى حد ذاته.


وأرى أن المنع والإقصاء عن الساحة الفنية لهؤلاء المغنيين ليس هو الحل، ولكن قيام الأجهزة الرقابية والرقابة على المصنفات لابد أن يكون لها دور كبير فى فرض الغرامات والعقوبات على الأعمال التى تخدش الحياء العام من كلمات أو افعال أو تلميحات تخرج عن التقاليد والأعراف الاجتماعية.


وهناك شيء آخر أرى أن العرض حسب الطلب، ومن الصعب فرض نوع من أنواع الفنون على جمهور يلفظ هذا العمل أو ذاك، لذا أجد أن هؤلاء المغنيين هم نتاج بيئة أفرزت تلك النوعية من الأغانى التى تعبر عن واقع معاش فى بعض البيئات بالمجتمع، بيئات تم إهمالها لفترات طويلة من الزمن حتى أفرزت لنا نماذج تحاكى واقعا معاشا فى تلك البيئات، وكثيرًا ما تم تجسيد هذا الواقع على شاشات التليفزيون وتناولته الأفلام السينمائية وتناولته الأغانى الشعبية حتى أصبح واقعا مريرا يقدم بشكل درامى ليجسد واقعا مريرا يعيشه الملايين من أبناء هذا الوطن.


وأجد أن السبيل للارتقاء بالذوق العام المصرى فى الفترة الحالية يحتاج إلى الجهد والعمل المتواصل وتكاتف العديد من المؤسسات المنوط بها رفع شأن الأنشطة الفكرية والفنية والثقافية، ويسبق كل هذا وذاك التعليم من حيث الكيف ورفع كفاءة المناهج والقائمين على التعليم لأن من المتعارف عليه أنه كلما زاد الوعى والمعرفة ومستوى التعليم زادت معه درجة الفرز والتقييم والارتقاء لانتقاء ما يتماشى مع الذوق الجمعى العام.


وهناك أيضًا أشياء اختفت منذ فترات طوال ساعدت على إفراز هذا الذوق العام لغالبية أفراد الشعب المصرى سواء عن قصد أو دون قصد ومنها، غياب حصة الموسيقى فى المدارس المصرية، فتعليم الأولاد فى مدارس الفنون والاستماع يخلق لديهم الحس الفنى وتساعدهم على الفرز والانتقاء.


غياب الأكشاك الموسيقية من ميادين القاهرة وبعض المحافظات، وكان فى الماضى تقام حفلات فى الإجازات الصيفية فى الميادين وتعزف الموسيقى فى الشوارع، وكانت أسعار الحفلات فى متناول الجميع وليست مقتصرة على طبقة دون الأخرى، فاشتهر الشعب المصرى بأنه شعب قادر على الاستماع وتذوق الفنون بمختلف أنواعها.


أجد أن الاهتمام بالجانب الفنى وقيام مؤسسات الدولة بتوفير فنون وفرق فنية بأسعار تناسب أبناء الشعب المصرى، والاهتمام بجودة ما يقدم من فنون سوف يقضى على أى ظاهرة فنية لا تعبر عن الذوق العام للشعب المصرى.

ليس بالمنع وحده يتم الارتقاء بالذوق العام وتذوق الفنون، ولكن بتنمية الحس العام وبالتعليم تنمو من جديد عملية الفرز والتقييم.. وللحديث بقية..