الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بيلوسي وترامب.. مطاردة الساحرات


نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب الأمريكي والرئيس دونالد ترامب هما بحق ثنائي لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية... وحالة فريدة لن تتكرر. ورغم أنه قد حدث بالفعل قبل ذلك مشاحنات بين الرئيس رونالد ريجان (الرئيس الأربعين للولايات المتحدة)  ورئيس مجلس النواب آنذاك إلا أن كل شيء كان ينتهي بعد انتهاء المناقشات حتى أنهما كانا أصدقاء خارج العمل.. لكن ما يحدث بين بيلوسي وترامب ليس مجرد منافسة بين الديمقراطيين والجمهوريين أو اختلاف في وجهات النظر بل اتخذ الطابع الشخصي وتحول إلى كراهية يراها عامة الناس في تصرفاتهما.. فلا أحد ينسى طريقة التصفيق الشهيرة الساخرة التي يغلب عليها المكايدة السياسية والإيماءات بالرأس التي قامت بها بيلوسي عقب انتهاء ترامب من إلقاء خطاب حالة الاتحاد في فبراير من العام الماضي وحتى أن مقطع الفيديو المصور لها حقق انتشارًا واسعًا جدًا..


وقد وصف ترامب "نانسي" بعدة أوصاف قاسية جدًا منها أنها حمقاء وعصبية ومجنونة وشخصية قميئة وسياسية درجة ثالثة..

ومنذ شهر مايو من العام الماضي حين فشلت محادثات البنية التحتية مع المشرعين الديمقراطيين وصفها ترامب أمام الصحفيين بأنها فقدت عقلها لأنها طالبت بتدخل أسرة ترامب في المفاوضات كما استخدم سلطاته ومنعها من السفر والقيام بجولة خارجية كانت تخطط لها إبان أزمة الإغلاق الحكومي..


(نانسي بيلوسي) الملقبة بالمرأة القوية والمرأة الحديدية وغيرها من الألقاب هي امرأة مميزة جدًا في عالم السياسة فهي أول امرأة تقود حزبًا في تاريخ الولايات المتحدة وأول امرأة تترأس مجلس النواب في عامي 2007 و 2011 و2019 ومن أقوى رؤساء مجالس النواب والدها (توما داليساندرو) كان عمدة (بالتيمور) وكانت تساعده في تنظيم حملته الانتخابية كما كانت تحضر جلساته مع أهالي المدينة وتساعده في كتابة طلباتهم ومن هنا بدأت تشعر بأهمية التواصل مع الجماهير وتحقيق مطالبهم ومن ثم عشقت العمل السياسي.


وهي أيضًا تنحدر من أصول إيطالية لذلك يغلب عليها السلوك الإيطالي من حيث أنها لا تنسى ما اقترفه في حقها الآخرون ودائمًا ترد الصاع صاعين كما تقول.. ولذلك فهي تسعى بأي طريقة ممكنة لتصعيد النزاع مع الرئيس لأنها لا تحبه فقد قالت علانية أنها تتمنى أن ترى ترامب خلف القضبان وليس معزولًا..


وبيلوسي أيضًا تعد المرأة الأرفع منصبًا عن طريق الانتخابات في تاريخ أمريكا ومنذ اختيارها زعيمة للديمقراطيين ورئيسة لمجلس النواب لم تخسر أي تصويت... ولكن البعض يرى أن قوة "نانسي" الحقيقية هي ولاء الكثيرين من أعضاء الحزب الديمقراطي لها وهو أمر صعب جدًا في هذه الأيام فالبعض يدين بالولاء ثم يغير رأيه هذا هو المعتاد ولكن مع "نانسي" لا يحدث ذلك.


وقد قادت بيلوسي بنفسها إجراءات عزل ترامب من مجلس النواب ووعدت بأنها ستستمر في مطاردة الرئيس الأمريكي بما وصفته قوة المطرقة إلى آخر نفس..


ورد عليها ترامب بأنها ستكون أعظم مطاردة الساحرات في التاريخ الأمريكي ووصف نانسي بالساحرة الشريرة..


وبالرغم من تبرئة مجلس الشيوخ للرئيس ترامب في السادس من فبراير الجاري من تهمتي إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونجرس لم تعترف "نانسي" بالهزيمة بل علقت على تبرئته ببيان نشرته على حسابها في تويتر قالت فيه "إن ترامب يبقى يشكل تهديدًا للديمقراطية الأمريكية بإصراره على أنه فوق القانون وأنه يمكنه إفساد الانتخابات إذا أراد ذلك.


أما ذروة التصعيد بين بيلوسي وترامب فكان في المشهد الدرامي المثير الذي حدث في الخامس من فبراير الجاري حينما ألقى الرئيس خطابه السنوي لحالة الاتحاد أمام الكونجرس ورفض مصافحة يدها الممتدة له وهو يسلمها نسخة من خطابه... وأشعرها بحرج شديد فما كان من "نانسي" إلا أن قامت بتمزيق نسخة مطبوعة من الخطاب وقالت إن ما فعلته هو أكثر الخيارات تهذبًا للرد على ما فعله ترامب.


وأضافت أنها لم تجد في خطاب الرئيس صفحة لا تضم كذبة والحقيقة أنني لم أصدم مثل كثيرين من تصرف امرأة مخضرمة ولها باع طويل في السياسة مثل "نانسي بيلوسي" من أن تقدم على تصرف مثل هذا تجاوز كل الأعراف والتقاليد... حتى أن البعض وصفه بالتصرف الصبياني لأنني تفهمت شعورها بالهزيمة أمام ترامب المنافس العتيد خاصة بعد تبرئته وفشل إجراءات عزله مما جعلها تستشعر خطرًا مبكرًا وفوزًا محتملًا لترامب بفترة رئاسة ثانية إضافة إلى ما يعانيه حزبها الديمقراطي من حالة انقسام شديد يهدد تماسك قواعده الشعبية بعد أن استطاع ترامب أن يصنع فجوة بين الديمقراطيين وبين المواطن الأمريكي الذي يهمه تحسن أحواله المعيشية بالدرجة الأولى وقبل كل شيء..


كان هذا الاحباط ظاهرًا بوضوح في نظرات نانسي التائهة يمينًا ويسارًا لتتجنب النظر للرئيس ومحاولة الانشغال بأي شيء حتى لا تبدي اهتماما بسماعه وهو يتحدث..


على الجانب الآخر ترامب دخل يلقي الخطاب منتشيًا بعد خروجه منتصرًا من كافة معاركه مع الديمقراطيين بدءًا من اتهامه بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية وانتهاءً  بنجاته من محاولة عزله..


والحقيقية أن الصراع بين ترامب وبيلوسي لا يضر أيا منهما بل على العكس أرى أنه يفيد كليهما فترامب يزداد شعبية لأنه يستغل هجوم بيلوسي عليه للترويج في حملاته الانتخابية وبين مؤيديه وقد رأينا بوضوح أن التصفيق في قاعة الكونجرس كان مستمرًا حتى أثناء تمزيق نانسي لنسخة الخطاب ومعظمه كان من الأعضاء الجمهوريين وضيوف البيت الأبيض الذين تمت دعوتهم لحضور الجلسة من داخل أمريكا وخارجها.


أما نانسي فهي أيضًا تستخدم هذه المناوشات لتعزيز موقعها بين مؤيديها وبدا هذا واضحًا في الاستقبال بالغ الحفاوة لها من المشرعين الديمقراطيين في مجمع انتخابي في اليوم التالي لتمزيق الخطاب.


إذًا فكلا الطرفين مستمتع باستمرار هذا التوتر ويوظفه بشكل جيد لصالحه وهو ما يعني أننا سنشهد المزيد من فصول مطاردة الساحرات كما وصفها ترامب في الفترة القادمة وخاصة ونحن مقبلون على أشرس انتخابات رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة ستنطلق في نوفمبر القادم حيث تعاني أمريكا من استقطاب شديد وحالة انقسام لم تحدث من قبل.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط