قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

في ذكرى رحيله.. دوستويفسكي تحدى الموت واستكشف سر الوجود الروحي

×

يُعتَبر فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي، الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، من أعظم الأدباء الروس وأعظمهم في العالم، وقد مدحه ألبرت أينشتاين وعظمه على أمير الرياضيات كارل غاوس حيث قال: "إذا سألتني بمن أنا مُهتَم حاليًا فسأجيبُك بدوستويفسكي.. قدّم لي أكثَر ما قدّمه أيُ عالمٍ من قبل بما فيهم غوس نفسه."


ووصفه بأنه "كاتب ديني عظيم يستكشف سر الوجود الروحي"، كما وصفه فريدريك نيتشه وقال: "النفساني الوحيد الذي كان لديه شيء ليُعلّمني إياه، إن معرفتي به كان أعظم شيء حصل لي في حياتي."


روايات دوستويفسكي تحوي فهمًا عميقًا للنفس البشرية كما تقدم تحليلًا ثاقبًا للحالة السياسية والاجتماعية والروحية لروسيا في القرن التاسع عشر، وتتعامل مع مجموعة متنوعة من المواضيع الفلسفية والدينية.


بدأ دوستويفسكي بالكتابة في العشرينيّات من عُمره، وروايته الأولى المساكين نُشِرت عام 1846 بعمر الـ25، وأكثر أعماله شُهرة هي الإخوة كارامازوف، والجريمة والعقاب، والأبله، والشياطين.


وتضم أعمالُه الكامِلة 11 رواية طويلة، و3 روايات قصيرة، و17 قصة قصيرة، وعددًا من الأعمال والمقالات الأخرى، واعتبره العديدُ من النُقّاد أحد أعظم النفسانيين في الأدب العالمي حول العالم، وهو أحد مؤسسي المذهب الوجودي حيث تُعتبر روايته القصيرة الإنسان الصرصار أولى الأعمال في هذا التيّار.


ولِد "دوستويفسكي" في موسكو عام 1821، وبدأ قراءته الأدبية في عُمرٍ مُبكّر من خلال قراءة القصص الخيالية والأساطير من كُتّاب روس وأجانب، وتوفّيت والدته عام 1837 عندما كان عُمره 15 سنة، وفي نفس الوقت ترك المدرسة والتَحق بمعهد الهندسة العسكرية، وبعد تَخرّجه عَمِل مُهندسًا واستمتع بأسلوب حياةٍ باذِخ، وكان يُترجم كُتبًا في ذلك الوقت أيضًا ليكون كدخلٍ إضافيّ له.


وعلى الرغم من كون جسد دوستويفكسي كان نحيفًا وغير قوي، فقد وصفه والداه بكونِه متهوّرًا وعنيدًا ووقحًا، وفي عام 1833، والد فيودور الذي كان مُتديّنًا بطبعه، أرسَله لمدرسة داخليّة في فرنسا ومن ثم إلى مدرسة تشيرماك الداخلية، ووُصِفَ هناك بأنه ذو وجهٍ شاحب وانطوائي ورومانسي، ولدفع الرسوم المدرسية، اقترض والده المال ووسّع عمله الطبي الخاص.


وشعر دوستويفسكي بالخروج من مكانه بين زملائه الأرستقراطيين في مدرسة موسكو، وانعكست التجربة لاحقًا في بعض أعماله، ولا سيما رواية المراهق.


وفي مُنتَصف الأربعينيات كَتب روايته الأولى المساكين التي أدخلته في الأوساط الأدبية في سانت بطرسبرغ حيث كان يعيش، وقد أُلقيَ القبض عليه عام 1849 لانتمائه لرابطة بيتراشيفسكي وهي مجموعةٌ أدبية سريّة تُناقِش الكتب الممنوعة التي تنتقد النظام الحاكِم في روسيا وحُكِم عليه بالإعدام، ولكن تم تخفيف الحُكم في اللحظات الأخيرة من تنفيذه، فقضى 4 سنوات في الأعمال الشاقّة تلاها 6 سنوات من الخدمة العسكرية القسرية في المنفى.


وأدرك "فيودور" أن مهنته العسكرية ستعرض حياته الأدبية المزدهرة الآن للخطر، لذلك كتب خطابًا يطلب فيه الاستقالة من منصبه، بعد فترة قصيرة، كتب روايته الثانية الشبيه ونُشِرت في مجلة Notes of the Fatherland في 30 يناير 1846، قبل أن تُنشَر في فبراير من العام نفسه.


وفي الوقت نفسه، تعرّف دوستويفسكي على الاشتراكية وأفكارها من خلال قراءته للمفكرين الفرنسيين مثل فورييه وكابيه وبرودون وسايمون.


وخلال معرفته بـ بلنسكي توسّع في فلسفة الأفكار الاشتراكية، وكان مُنجذبًا لمنطق الاشتراكية، والحس بالعدالة واهتمامها بالفقراء المُعدَمين والمحرومين.


وقد توتّرت علاقته مع بلنسكي بشكل متزايد خاصّة بعد إفصاحه بكونِه ملحدًا مما يتعارض مع معتقدات فيودور الأرثوذكسية الروسية، ولكن في نهاية الأمر تقبّله.


ولاقت رواية الشبيه بعد نشرها نقدًا سلبيًّا، وكانت صحّة فيودور تزداد سوءًا ونوبات الصرع أكثر من ذي قبل، ولكنّه واصل الكتابة.


وخلال الفترة من 1846 إلى 1848 أصدر عدّة قصص قصيرة نُشِرت في مجلة حوليات أرض الآباء؛ من هذه الروايات السيد بروخارشين وربة البيت وقلب ضعيف والليالي البيضاء. تلك القصص لم تلقَ نجاحًا ومعظمها قوبلت بآراء مختلفة، مما أوقع فيودور في مشاكل ماليّة مرة أخرى، لذلك انضمّ إلى رابطة بيتيكوف الاشتراكية الطوباوية التي ساعدته للنجاة من حالته البائسة.


وعندما انتهت الرابطة، كان فيودور قد صادق أبولون مايكوف وشقيقه فاليريان مايكوف، وفي 1846، وبتوصية من الشاعر أليكسي بليششيف انضمّ إلى رابطة بيتراشيفسكي التي أسّسها ميخائيل بيتراشيفسكي الذي طالب بإصلاحات في المجتمع الروسي.


وكتب ميخائيل باكونين مرة إلى ألكسندر هيرزن يصف أن المجموعة كانت: "أكثر رابطة عديمة الضرر" وأعضائها كانوا "معارضين مُنظّمين لجميع الأهداف والمعاني الثورية".


واستخدم فيودور مكتبة الرابطة يومَي السبت والأحد، وشاركَ في بعض الأحيان في المناقشات التي تتم بشأن التحرر من الرقابة وإلغاء العبودية.


كانت رابطة بيتراشيفسكي مجموعَة مناقشة أدبيّة فكريّة تُناقش قضاياها المُعاصرة في ذلك الوقت بشكلٍ شبه سرّي. وضمن المجموعة مُهندسين وأطباء وكُتّاب ومعلمين وطُلّاب ومسؤولين حكوميين وضبّاطٍ في الجيش. وقد اختَلفوا في وجهات نظرهم السياسية، بيد أن مُعظَهم كانوا مُعارضين للاستبداد القيصري والعبودية الروسية. قام أعضاء المجموعة باستنكار وتنديد أفعال إيفان ليبراندي وهو مسؤول في وزارة الشؤون الدولية.


واتُهمِ دوستويفسكي بقراءة الكتب والأعمال المحظورة والمساعدة في نشرها وتعميمها، بالأخص كتاب بلنسكي رسالة إلى غوغول، ووقد ردّ فيودور عن هذا الادّعاء بقولِه أنه كان يقرأ مقالاتٍ وحسب وهي تتحدّث عن الشخصيّة والأنانية البشرية بشكلٍ عام وليس عن السياسة، في النهاية اعتُقِلَ ة في 23 أبريل 1849 بناءً على طلب الكونت أ. أورلوف وأمر القيصر نيكولاي الأول خوفًا من تَبِعات ثورة 14 ديسبمر في روسيا وثورات الربيع الأوروبي عام 1848، وقد احتَجِزَ في معقل بيتر وبول والتي كانت بدورها تضمّ أخطَر المُدانين.


وحكم عليه مع أصدقائه بالإعدام بإطلاق النار، وأُخِذَ السجناء إلى سيميونوف بلاس في سان بطرسبرغ لتنفيذ الحكم في 23 ديسمبر الأول 1849 حيث انقسموا إلى مجموعات من ثلاثة أفراد، وكان دوستويفسكي الثالث في الصف الثاني وبجانبه وقف بليششيف ودوروف جاهزين للإعدام، ولكن في آخر لحظة وقبل تنفيذ الحكم بحقهم صدر مرسوم قيصري يقضي باستبدال الإعدام بأربعة أعوام من الأعمال الشاقة في مقاطعة اومسك بسيبيريا.


وبعد إطلاق سراحه في 14 فبراير 1854، أرسل فيودور لأخيه ميخائيل طالبًا منه مساعدةً ماليّة، وأن يُرسِل له كتب ومؤلّفات كل من فيكو وجيزو ورانكه وهيغل وكانت، وقد وصف حياته وهو يقضي حكم الأعمال الشاقة في روايته بيت الموتى التي صدرت في 1861 في مجلّة Vremya وتُعتَبر أول رواية تتناول السجون الروسية والسجناء كموضوعٍ لها.


وسافَر فيودور إلى أوروبا الغربيّة لأول مرة في 7 يونيو 1862، زار خلالها كولونيا، وبرلين، ودرسدن، وفيسبادن، بلجيكا، وباريس، ولندن.


وقد قابل ألكسندر هيرزن في لندن وزار قصر الكريستال، وسافر مع نيكولاي ستراخوف في سويسرا مرورًا بالعديد من مدن شمال إيطاليا بما فيها تورينو وليفورنو وفلورنسا، وقد دوّن انطباعاته عن تلك الرحلة في ذكريات شتاء عن مشاعر صيف، حيث انتقد في تلك المقالة الرأسمالة والتحديث والمادية والكاثوليكية والبروتستانتية، وظهر فيها مُقدِّمات أهم مبادئ فلسفته التي خلَّدها برواياته لاحقًا.


بدءًا من أكتوبر 1863، بدأ فيودور رحلةً أخرى إلى أوروبا الغربية، وقابل حبيبته الثانية بولينا سوسلوفا في باريس، وخسر تقريبًا كُل أمواله التي راهن عليها في المقامرة في فيسبادن وبادن بادن.


و في عام 1864 توفيت زوجته ماريا وشقيقه ميخائيل، وأصبح دوستوفيسكي الوالد القانوني الوحيد لابن زوجته، والمنفق الوحيد لعائلة شقيقه.


وبعد فشل مجلّة Epoch التي أسّسها مع شقيقه وذلك بعد منع مجلة فريميا، ساء وضع فيودور المالي، وكان يحصل على مساعدات بسيطة من أقاربه وأصدقائه منعًا للإفلاس الكامل.