الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مقتدى يسرق الثورة


منذ الأول من أكتوبر الماضي حين بدأت الاحتجاجات الشعبية في العراق الشقيق وهي تتعرض لعمليات قمع مخيفة على مدار ثلاثة أشهر استخدموا ضدها جميع الوسائل من ترهيب وترغيب وقتل وقنص وخطف ومندسين من قبل الميليشيا المسلحة وقوى الأمن.. ورغم أن أعداد الضحايا قاربت الخمسة آلاف ما بين قتيل وجريح لم تتأثر رقعة التظاهرات، بل ازدادت اشتعالًا وازداد الشباب العراقي قوة وتصميما على استعادة العراق وتنفيذ مطالبهم كاملة..


وبعد أن استطاعوا بسلميتهم إجبار (عادل عبد المهدي) وحكومته على الاستقالة ظلت أزمة اختيار رئيس الوزراء هي المعضلة التي تواجه العراق ولم تستطع أي من الكتل السياسية تمرير أحد من مرشحيها لأن المواطن أصبح شريكًا في صناعة القرار... وبعد مطالبات داخلية وخارجية بحسم الموقف إلى حد قيام المتظاهرين بتعليق لافتة عملاقة بكل اللغات تطالب بتدخل الأمم المتحدة تم طرح ثلاثة أسماء لشغل المنصب: أولهم (مصطفى الكاظمي) رئيس المخابرات والملقب بالرجل الصامت وقوبل برفض إيراني شديد نظرًا لقربه من الولايات المتحدة والثاني هو (فائق الشيخ علي) وهو مقبول من الشارع ومرفوض من القوى السياسية.. والثالث هو (محمد توفيق علاوي) الذي يرتبط بعلاقات قوية مع مقتدى الصدر والكتل السياسية باستثناء المالكي... ولكنه مرفوض رفضًا تامًا من الشارع العراقي الذي وضع شروطًا بعينها لا تتوافر في علاوي..


وقام (الصدر) بدعوة أنصاره إلى مظاهرة ضخمة للضغط على الرئيس برهم صالح ليقبل بمرشحه لتشكيل الحكومة مع التلويح بخطوات تصعيدية لم يحددها وبالفعل نجح في فرض (محمد توفيق علاوي) رئيسًا للوزراء بالرغم من أن الرئيس صالح أقسم على أنه لن يكلف شخص غير قدير... وقد قوبل باحتجاجات شديدة وانتفضت كل المحافظات العراقية ضد تكليف (علاوي) في البصرة وبغداد والنجف والناصرية وبابل وكربلاء.. وأمهله متظاهرو ذي قار مهلة ثلاثة أيام للاستقالة، كما دشنوا هاشتاج (مقتدى يسرق الثورة) وقد لاقى تفاعلا كبيرا وتضمن عبارات عفوية مثل: (مقتدى يحرف الثورة عن مسارها بتكليف علاوي)، (مقتدى من البداية يحاول أن يسرقها لأن الناس كانت غشيمة)، (مقتدى انضم للعامري والخزعلي وانكشفت الوجوه)، (ما مر على العراق سياسي بصلافة الصدر)، (الصدر أخطر من كورونا لأنه يحمل فيروس الإرهاب والفساد)، (مقتدى سرق حلم ملايين الشباب وسرق ثورة الفقراء والأحرار وباع السيادة وباع الثورة)... إلخ.


وبعيدًا عن هذا الهاشتاج فإن مقتدى الصدر بحق هو الآن لغزًا كبيرًا في الساحة السياسية العراقية وربما يكون لغمًا شديد الخطورة بعد أن كان زعيم سياسي يشار له بالبنان، ولو عدنا إلى الوراء قليلًا قبل بدء الثورة الشعبية كان الصدر معارضًا لإيران إلى حد زيارته لدول عربية بعينها وتحالف مع الحزب الشيوعي وجمد جيش المهدي... إلا أن العديد من التيارات السياسية كانت تشكك في مصداقية الصدر وأنه يحاول فقط تحجيم الأحزاب الشيعية الأخرى ومع بدء الاحتجاجات شارك أنصاره في التظاهرات ثم انسحبت مؤخرًا وأعقب انسحابها محاولات فض الاعتصام بالقوة واتهم المحتجون حينها الصدر بخيانة الثورة وعقد صفقة مع إيران..


ولأول مرة تبدو الساحة السياسية في العراق خالية من الزعامات الإيرانية بعد اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس لذلك بات واضحًا أن إيران تحاول التركيز على مقتدى الصدر كلاعب أساسي في العرق والصدر يريد شغل هذا المنصب واللعب على التوازنات السياسية وألا يزاحمه أحد على القرار لذلك اجتمع رغم الخلاف مع (هادي العامري) زعيم مليشيا بدر وقائد كتائب الحشد الشعبي وتوافقوا على تسمية العلاوي.


نحن أمام مرحلة جديدة ومواجهة مكشوفة بين الكتل السياسية والشارع فالمشكلة أن الجميع لا يستطيع أن يدرك أن ما يحدث في العراق هو ثورة حقيقية وانعطافة تاريخية يقوم بها الشعب العراقي الذي قدم 700 شهيد حتى الآن ولا هم له سوى إخراج إيران وتصفية نفوذها والقضاء على قوى الإسلام السياسي التي تمثل اليد الطولي لإيران بالعراق والتخلص من نظام المحاصصة والطائفية.


مقتدى الصدر للأسف الشديد لم يتخذ القرار الصحيح لأنه لن يستطيع السير طويلًا باتجاه إيران فلغة التفاهم بينه وبين الكتل الموالية لإيران لن تدوم لاختلاف الرؤى والأهداف ولن يستطيع العودة مرة أخرى للتظاهرات التي تآمر عليها ويعمل جاهدًا على تصفيتها..


وبرغم انسحاب أنصاره من التظاهرات لم تفقد زخمها وقوتها، فالانتفاضة مضت وستستمر مهما كان الخذلان ومهما كان الثمن فهي لم تكن ثورة جياع كما وصفها الصدر سابقًا ولم تكن لأهداف شخصية كما أن مطلبها الأول هو تغيير النظام السياسي الحالي كاملًا بما فيه الصدر نفسه الذي لم يستطع رفع مستوى معيشة المواطن رغم أنه كان شريكًا في كل الحكومات ويمتلك (55) عضوًا في البرلمان..


ولا أتوقع أن الصدر أو غيره سوف يتمكنون من فرض محمد توفيق علاوي وسط هذه الاحتجاجات الدامية والتهديد بالدخول في اعتصام كبير ومفتوح فهم يريدون مرشح مستقل غير تابع للكتل السياسية يأتي بقرار عراقي وليس مرشح تفرضه طهران، كما أن علاوي سجن سبع سنوات في قضايا فساد وتورط في تصريحات لا أعتقد أن بقدرته تنفيذها.


فقد تعهد بانتخابات مبكرة وبمحاسبة من قتل الشباب... فهل القوى السياسية التي تحالف معها منذ عشرات السنين تريد انتخابات مبكرة؟ بالطبع لا... وهل ستقبل بمحاسبة القناصين؟ إطلاقًا... بالإضافة إلى أنه لا يوجد توافق سياسي كامل فالسنة والأكراد غير موجودين في المشهد..


إن الاحتجاجات تحولت إلى عشر ثورات في عشر محافظات عراقية ولا يستطيع أحد مهما أوتي من قوة إنهاء عشر ثورات لن تنتهي لا بالضغط ولا بالتخويف..


مقتدى الصدر والعامري اتفقا على مصالحهم وليس مصالح الشعب ولا مصلحة العراق الذي يكاد ينزلق إلى عصر اللادولة بسبب العملية السياسية المفككة والمجلس النيابي غير القادر على التعامل مع الأحداث.. إن السبب الحقيقي وراء التمدد الإيراني في العراق هو أن بعضًا من أبنائه يعملون لمصالحهم الشخصية الضيقة.. إلى حد التآمر على العراق نفسه..

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط